الجزائرى والتونسى فى سنة ٣٩ - للميلاد، وتظل بها نحو مائة عام إلى أن يخرجهم منها قائد بيزنطى سنة ٥٣٤ للميلاد، ويخلفهم البيزنطيون وجنودهم وموظفوهم الإغريقيون. ومعنى ذلك أنه كان يعيش فى الجزائر بالقرن السادس الميلادى سبع سلالات: سلالة أساسية من البربر أصحاب البلاد ثم سلالات من الفينيقيين والزنوج واليهود والرومان والوندال الألمان واليونان.
ويقتحم العرب أسوار الجزائر حاملين مشاعل الدين الحنيف، وتظل تقتحمها جيوش عربية لإكمال الفتح وللقضاء على ما ينشب بها من ثورات طوال القرن الأول الهجرى، وتستجيب الجزائر لدعاة الدين الحنيف ولولاتها العظام فى هذا القرن الذين سوّوا فيه بمنتهى العدل بين الجنود المسلمين الفاتحين وبين من يسلم من البربر فى جميع الحقوق والواجبات: فى الضرائب وفى دخول الجيش والجهاد. ويتولى المغرب مع فواتح القرن الثانى الهجرى ولاة طغاة بغاة أخذوا يحرمون البربر من حقوقهم التى شرعها الإسلام، مما جعل بعض البربر يعتنقون مذهبى الإباضية والصفرية اللذين يريان التسوية المطلقة بين البربر والعرب فى الخراج وغير الخراج وحتى فى الخلافة فلا يصح أن تقصر على قريش وحدها، وهبّت ثورات متعاقبة منذ سنة ١٢٢ هـ/٧٣٩ م يقوم بها أتباع الصفرية أو أتباع الإياضية حتى عهد يزيد بن حاتم المهلبى (١٥٤ - ١٧٠ هـ). وإنما نذكر ذلك لندل على أن الجيوش العربية ظلت تقدم إلى الجزائر منذ الفتح، وكان كثير من جنودها جميعا يقيمون فى الجزائر وغيرها من الأقاليم المغربية، ولم يكونوا جميعا عربا بل كان بينهم كثيرون من أهل الرافدين والشام ومصر وإيران، ومن كل هذه العناصر استقرت سلالات فى الجزائر وعاشت مع أهلها وامتزجت بهم امتزاجا سريعا بحكم ما يجمع بين الجانبين من الدين واللغة. وأخذ ينزل فى المدن الساحلية بعض المسيحيين واليهود لما رأوا فى الإسلام وأصحابه من المعاملة السمحة.
وحول منتصف القرن الخامس الهجرى تحدث هجرة قبيلتى بنى هلال وسليم إلى الإقليمين التونسى والجزائرى انتقاما من المعز بن باديس حين وقف الدعوة العبيدية الفاطمية وخلع طاعة الخليفة وانضوى تحت لواء الخليفة العباسى، وكان آباء هاتين القبيلتين قد وضعوا أيديهم فى أيدى القرامطة ضد الدولة الفاطمية، فلما استسلموا لها أنزلتهم فى القفار بين النيل والبحر الأحمر، ورأى وزير خبيث للمستنصر أن يستخدمهم ضد المعز بن باديس ووعدهم بامتلاك دياره، فانقضّوا عليها واكتسحتها سيولهم اكتساحا حول منتصف القرن الخامس، مما اضطره إلى الانسحاب من القيروان إلى المهدية، وتدافعت سيول من هلال وبطونها: أثبج ورياح وعامر ومعقل وعدى، وكذلك من سليم وعشائرها: دياب وزغبة وعوف ومرداس والطرود، وكانوا بدوا رعاة غير متحضرين فمضوا ينهبون ويتلفون الزروع، ورأى صاحب قلعة بنى