قبائله فى ديار المغرب: جزائر وغير جزائر من عصور سحيقة، وهم لا يمتون إلى الساميين عربا وغير عرب بأى عرق، وأولى أن يعدّوا حاميين إفريقيين، ولعل ذلك ما جعل ابن خلدون يقول عن اقتناع:«والحق الذى لا ينبغى التعويل على غيره فى شأن البربر أنهم من ولد كنعان بن حام بن نوح. . وأن اسم أبيهم مازيغ بن كنعان» ويؤيد رأى ابن خلدون ما ترجحه الدراسات اللغوية المقارنة بين اللغتين البربرية والمصرية القديمة الحامية من أن بينهما تشابها فى النظام الفعلى وفى بعض الصيغ مما يؤكد أن البربر من الحاميين.
وكما أن فى نسب البربر اختلافا فى الآراء كذلك كلمة البربر نفسها، فمن قائل إن البربر هم الذين سموا أنفسهم بهذا الاسم من قديم، ومن قائل إن العرب هم الذين أطلقوا هذا الاسم على سكان البلاد المغربية لعدم فهمهم للغتهم، ومنه قالوا «بربر» الشخص إذا تمتم بالكلام ولم يعرف السامع المراد، ومن قائل إن الكلمة من أصل لاتينى هو بربروس Barbarus وهو من لا يفهم كلامه، وأطلق الرومان الكلمة على شعوب البربر، لأنهم يتكلمون بلغة لا يفهمونها، ولعل هذا القول أكثر الأقوال سدادا، لنزول الرومان فى المغرب من قديم، وعنهم أخذها العرب وأطلقوها على سكان المغرب جميعا.
وما زال البربر بعيدين عن الشعوب القديمة لا يتصلون بها حتى إذا كان القرن العاشر قبل الميلاد-وربما قبله أو بعده بقليل-أخذ الشعب الفينيقى اللبنانى-وكان شعبا يحترف الملاحة-تجوب أسراب منه سواحل البلدان المغربية بحثا عن أماكن صالحة لرسو سفنهم وتبادل السلع مع السكان من البربر، واختاروا قرطاجة فى الإقليم التونسى فنزلوا بها أو قل اختاروا موقعها فأسسوا به أول موطن إفريقى لهم، وأخذوا يبحثون سريعا عن مواطن لهم فى ساحل الجزائر، فاختاروا بونة (عنابة) وجيجل وبجاية وشرشال وإسكيكدة غربيها وأخذوا يختلطون بسكان تلك المدن وينشرون بينهم حضارتهم الفينيقية، ويعلمونهم الزراعة وغراسة الأشجار. ويظنّ أنهم نقلوا إلى الجزائر أشجار الزيتون والنقل والفاكهة، وعلموا الجزائريين أيضا الملاحة والتجارة وكانت قوافلهم تجوب الجنوب وتحمل منه بعض الزنوج، وسمحوا لليهود منذ القرن الثالث قبل الميلاد بالنزول فى مدنهم. وبذلك كانت تعيش فى الجزائر لعهد الفينيقيين عناصر من اليهود والزنوج بالإضافة إليهم وإلى البربر.
وينشب صراع هائل بين قرطاجة وروما وينتهى سنة ١٤٦ قبل الميلاد باستيلاء روما على المدن الفينيقية فى الإقليمين الجزائرى والتونسى، ويستوطن هذه المدن كثير من الأسر الرومانية، وتكثر روما من قوافلها إلى الجنوب، وتعود محملة بكثير من الزنوج الذين يستخدمون فى الزراعة والرعى. ومنذ سنة ٧٠ للميلاد يفد على المدن الفينيقية بعض الأسر اليهودية بعد تدمير الإمبراطور تيتوس لمعبد بيت المقدس. وتستولى جموع الوندال الألمان من روما على الإقليمين