تورّد الوجنتين وسواد الشعر فعرف أين الهلال وأين الحبيب وإلا ظل غارقا فى حيرته. ومن ملحه:
قد كان لى فيما مضى خاتم ... فاليوم لو شئت تمنطقت به
وذبت حتى صرت لو زجّ بى ... فى مقلة النائم لم ينتبه
وهى مبالغة واضحة فيما أصابه من ضنا بسبب حبه وشقائه فيه وعذابه.
فحتى المبالغة التى كانت قد أخذت تشيع بين الشعراء نجدها عنده، وكأنه توفّر على الشعر فى عصره وقبل عصره حتى استقامت له ملكته، وحتى تمثّله بجميع مقوماته وخصائصه. وكان خفيف الروح فكها مما جعله محبوبا عند أهل البصرة فى حياته وبعد مماته. ومن طريف ماله قوله فى قلة الطعام على مائدة أحد أصدقائه:
ولعمرى كان الخوان ولكن ... لم يكن ما يكون فوق الخوان
وجفان مثل الجوابى ولكن ... ليس فيهن ما يرى بالعيان (١)
فإذا ما أدرت فيها بنانى ... لم أجد ما أمسّه ببنان
إننى ما ضغ على غير شئ ... غير صكّ الأسنان بالأسنان
ترجع الكفّ وهى أفرغ منها ... عند مدّى لها فدأبى وشانى
والأبيات تدل على روح الدعابة عنده وأنه كان جميل المحضر عذب الفكاهة خفيف الظل على نفوس مواطنيه وعارفيه وعلى الشباب البصرى خاصة مما جعلهم يتعلقون به تعلقا شديدا. ويبدو أنه نظم بجانب مقطوعاته التى كان ينشدها فى خبزه للأرز قصائد طويلة، فقد أشار من ترجموا له إلى قصيدة طويلة طنانة استهلّها بقوله:
بات الحبيب منادمى ... والسّكر يصبغ وجنتيه
وواضح مما أنشدناه له أنه كان عذب الشعر رقيقه وهو شعر شعبى بالمعنى الدقيق، فقد نظمه صانع من صناع الشعب، لم يكن يحترف صنع الشعر للتكسب