الهجرى) قائمة وتحدث عن نشاطها التجارى قائلا:«وجوه أموالها جمّة، وبها من التجار وكثرة الغرباء فى كل وقت مالا ينقطع، طلاّبا لما فيها من التجارة، وعابرين عليها مغرّبين ومشرّقين» وقال إنها تنفرد بالتجارة فى القطران والجلود المجلوبة للدباغة بمصر والتمور الواصلة إليها من واحة أوجله (والواحات الأخرى) ولها أسواق عدة لبيع الصوف والفلفل والعسل والشمع والزيت وضروب المتاجر الصادرة من المشرق والواردة من المغرب. وذكر ابن حوقل للفلفل يجعلنا نذكر كيف أن ميناءى برقة وطرابلس كانا من قديم-كما مر بنا-مصبّا للقوافل المصعدة من السودان وأواسط إفريقيا إليهما والمنحدرة منهما إلى تلك الأنحاء، وكانت تلك القوافل تأتى محمّلة بسلع الرقيق وريش النعام والعاج أو سن الفيل والجلود، وتعود محمّلة بسلع ليبيا والبحر المتوسط، بحيث ظلت ليبيا قرونا متطاولة الباب أو المنفذ الكبير بين البحر المتوسط وبلدانه الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية، وكان ذلك عاملا قويا فى ازدهار التجارة بطرابلس وبرقة والموانى الساحلية بالإضافة إلى ما كان بليبيا من سلع كثيرة من مثل القمح والشعير والزيت والملح والجلود والتمور والعسل والبسط والسجاجيد والأكلمة.
وهذا النشاط التجارى لسكان ليبيا كان يرافقه نشاط زراعى حول المدن الساحلية حيث تكثر الأمطار ومن ورائها فى السهول وفى وديان الجبال وفى المنطقة شبه الصحراوية والواحات من مثل واحة فزان. وتكثر زراعة الخضر والكروم والفواكه من كل صنف، وينمو الزيتون بكثرة فى جبال طرابلس والجبل الأخضر ببرقة، وكانت روما قديما تعتمد فى الزيت على ما تستورده من معاصر طرابلس. وتنمو بليبيا أشجار الحناء والجدارى التى تستخدم جذورها فى الصبغة، كما تنمو فى المنطقة شبه الصحراوية الحلفاء البرية ذات الأوراق الخيطية الشكل، وكانوا يستخدمونها فى صنع القفاف والحبال، وهى صالحة كل الصلاحية لصنع الورق. ويبذر الفلاحون الحبّ ويجنون القمح والشعير. وكانت روما تعتمد قديما على ما يأتيها من حبوب طرابلس، وبالمثل الإغريق بالقياس إلى ما يأتيهم من برقة، ومما يدل-بوضوح-على أنه كان بليبيا قديما نشاط زراعى واسع ما لا يزال ماثلا فى كثير من أنحائها من مجارى المياه وقنواتها وسدودها وخزاناتها التى أنشأها الرومان والإغريق، وتحجب عنا كثرته الآن الرمال بغطائها الثقيل التى ظلت تنسجه طوال القرون الماضية، وإن ليبيا لحرية أن يعود لها هذا المجد الزراعى العريق. ولم أذكر أهم شجر يتراءى بقامته الهيفاء فى كل مكان بأنحاء ليبيا فى السهل الشمالى وفى المنطقة شبه الصحراوية وفى جميع الواحات، وأقصد النخيل وثماره من البلح، ويقال إن بطرابلس من أنواعه ما يزيد عن ثلاثين نوعا وأن فى واحة غات وواحات فزان ما يبلغ خمسين نوعا.
والزراعة لا تحتل فى ليبيا إلا الشطر الأقل فى الساحل والسهل الريفى وسفوح الجبال وبعض الوديان فى المنطقة شبه الصحراوية والواحات. والشطور الأخرى الكبيرة من ليبيا