للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك أبان بن عبد الحميد ناظم قصص كليلة ودمنة شعرا، وله منظومات سقطت من يد الزمن فى تاريخ ملوك الفرس وأيضا له منظومة فى الفقه وأحكام الصلاة، ونظم فى هذا الفن التعليمى الأصمعى فى الملوك والأمم البائدة كما نظم إبراهيم الفزارى منظومة طويلة فى الفلك يقال إنها استوعبت عشر مجلدات.

ومنذ العصر العباسى الأول رسخ هذا الفن فى الشعر العربى وأصبح أحد موضوعاته، وقد اصطلح أبان وأصحابه فى العصر المذكور على أن ينظم من وزن الرجز، لأنه من أوفر أوزان الشعر العربى أنغاما ومن أكثرها قبولا للتغير. فى تفاعيله، وهو بذلك أكثرها مرونة لحمل المعارف العلمية. وأخذت الأقاليم العربية تسهم فى هذا الفن كلما اتسعت فيها الحركات العلمية وكثر علماؤها، إذ يرون أن يضعوا فى علومهم منظومات لمساعدة الناشئة على حفظ قواعدها.

وأقاليم عربية تسرع فى هذا الصنيع، وأقاليم أخرى تتأخر قليلا أو كثيرا، ونلتقى فى القرن الخامس الهجرى بابن أبى الرجال المتوفى سنة ٤٢٦ هـ‍/١٠٣٤ م وله أرجوزة فى الفلك والتنجيم، ويلقانا فى القرن السابع يحيى (١) بن عبد المعطى المولود سنة ٥٦٤ هـ‍/١١٦٩ م وهو من قبيلة زواوة البجائية، وقد نشأ فى بجاية، وأتقن فيها علم النحو كما أتقن نظم الشعر، غير أنه اتجه به نحو التمرن على نظم بعض المعارف، ورحل إلى دمشق وسكنها وانتفع به خلق كثير، ورغبه السلطان الكامل الأيوبى فى الانتقال إلى مصر وانتقل إليها وتصدّر لإقراء الطلاب فى الجامع العتيق (جامع عمرو بن العاص) وكان يقرأ لهم ألفيته التى نظمها فى النحو ويفسر أبياتها لهم، ولا يعرف متى نظمها؟ هل نظمها قبل رحيله إلى دمشق أو بعد ذلك وما زال يقرئها الطلاب المصريين حتى توفى سنة ٦٢٨ هـ‍/١٢٣١ م وعلى غرارها نظم ابن مالك ألفيته المشهورة فى النحو. ونمضى فى القرن السابع ونلتقى بأبى إسحاق (٢) إبراهيم بن أبى بكر الأنصارى التلمسانى المتوفى سنة ٦٩٧ هـ‍/١٢٩٨ م وقد نظم فى الفرائض (علم الميراث) وهو ابن عشرين سنة أرجوزة اشتهرت باسم التلمسانية، وهى أرجوزة محكمة ضابطة لعلم الميراث عجيبة الوضع لم يصنّف فى فنها مثلها وقد طارت شهرتها فى الجزائر وغير الجزائر وشرحت مرارا. وممن كثر نظمهم فى الشعر التعليمى ابن (٣) مرزوق الحفيد وله ألفية فى القراءات فى محاذاة ألفية الشاطبى: حرز الأمانى، وأرجوزتان فى علم الحديث: كبرى باسم الروضة وصغرى باسم الحديقة، وأرجوزة فى تلخيص كتاب المفتاح فى علوم البلاغة للقزوينى، وأرجوزة فى الميقات أو الفلك


(١) انظر ترجمته فى معجم الأدباء ٢٠/ ٣٥ وابن خلكان ٦/ ١٩٣.
(٢) راجع ترجمته فى الديباج المذهب لابن فرحون (طبع القاهرة) بتحقيق د. محمد الأحمدى أبو النور ١/ ٢٧٤ وبغية الرواد ليحيى بن خلدون ١/ ١٠٩.
(٣) انظر ترجمته فى البستان ٢٠١ - ٢١٤ وراجع تعريف الخلف برجال السلف للحفناوى ١/ ١٢٨ ونيل الابتهاج بتطريز الديباج لأحمد بابا ص ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>