منها المرينيين وأعادها إلى أسرته. ولم تتسمّ الدولة حينئذ دولة بنى عبد الواد، بل تسمت باسم دولة بنى زيان نسبة إلى أحد الجدود الأولين، وهو أبو يغمراسن مؤسس الدولة الأولى ودبّر أبو حمو أمور الدولة تدبيرا سديدا ونهض بتلمسان نهضة علمية وأدبية، وكان شاعرا، واتخذ هو وخلفاؤه لقب أمير المؤمنين واصطنعوا بها لها نظاما شبيها بنظم الخلافة فى الشرق فصّل القول فيه الحسن الوزان فى كتابه وصف إفريقيا قائلا إنهم اتخذوا مراسم دقيقة إذ قسموا الإدارة قسمين إدارة عسكرية وإدارة مدنية، وعلى رأس الأولى القائد، وعلى رأس الثانية الكاتب الأول، ومن ورائهما خازن المال أو الصراف الذى يأمر بصرفه إلى مناصب ووظائف عديدة. وتوفى أبو حمو موسى الثانى سنة ٧٩١ وتنازع أبناؤه وتقاتلوا فى سبيل الاستيلاء على الحكم، ومن أهمهم أبو زيان استولى على مقاليد الحكم سنة ٧٩٦ وكان عالما شاعرا وتهادى مع السلطان المملوكى برقوق وقتل سنة ٨٠١ هـ/١٣٩٨ م بيد أخيه أبى محمد عبد الله وحكم تلمسان حتى سنة ٨٠٤ وخلفه أخوه أبو عبد الله محمد المعروف بابن خولة إلى سنة ٨١٣ هـ/١٤١٠ م وأخذ يكثر فى الأسرة القتل والخلع، وتتدخل الدولة الحفصية لنصرة الأخ على أخيه أو القريب عما أو غير عم على القريب. وفى سنة ٨٢٧ استولى السلطان أبو فارس الحفصى على تلمسان، واتسع من حينئذ تدخل الدولة الحفصية فى تولية حكام الدولة الزيانية، وقد ولّى عليها أبو فارس الحفصى أبا مالك عبد الواحد وقتل سنة ٨٣٣ وتولاها أحمد العاقل ابن أبى حمو ويتولاها المتوكل بعده سنة ٨٦٦ هـ/١٤٦١ م وثار عليه محمد بن غالية وقضى على ثورته وتاريخ وفاته شديد الغموض.
وأخذت دولة بنى زيان بتلمسان وغربى الجزائر تتدهور سريعا منذ نهاية القرن التاسع الهجرى، وبالمثل تدهورت الدولة الحفصية فى شرقى الجزائر وتونس وطرابلس، وكان فرديناند ملك إسبانيا قد أخرج العرب من غرناطة آخر قلعة بالأندلس، فنزلوا سواحل الجزائر وتونس وطرابلس، فرأى أن يستأنف الحروب الصليبية بتعقبهم فى تلك السواحل، وأطمعه أنه لم يجد للدولة الزيانية ولا للدولة الحفصية أسطولا يحمى ثغورهما على البحر المتوسط، واستولى فى الساحل الغربى للجزائر على المرسى الكبير إلى الشمال الغربى من وهران سنة ٩١٠ هـ/١٥٠٥ م وعلى وهران سنة ٩١٤ هـ/١٥٠٩ م وأيضا على مستغانم ومدينة الجزائر إلى الشرق من وهران، واستولى فى الساحل الشرقى للجزائر التابع للدولة الحفصية على بجاية سنة ٩١٧ هـ/١٥١١ م وأيضا على ثغرى جيجل وعنابة، وكأنما أصبح الساحل الجزائرى جميعه غربا وشرقا فى قبضته، إذ أهمل التلمسانيون والحفصيون الرباطات والمحارس الساحلية التى أكثر الأسلاف من إقامتها على البحر المتوسط حماية للبلاد من قراصنة الغرب.