تحاسدت الأيام فيك فلم تزل ... منى القادم الجذلان والمترحّل
وهو يشير إلى علم أستاذه وأنه كان مقصدا للراحلين فى طلب الحديث من كل بقاع العالم الإسلامى. وليس فى ديوانه مديح لوزير مصرى قبل شاور وزير العاضد (٥٥٧ - ٥٦٤ هـ).
واتصل بكتاب الديوان لعهده ومدحهم، وفى مقدمتهم القاضى الفاضل، وله فيه غرر المدائح، ومن قوله فى إحداها متخلصا من الغزل إلى مديحه:
يا ربّ خمر فمه كأسها ... لم أقتنع من شربها بالشميم
أتبعت رشفا قبلا عندها ... وقلت: هذا زمزم والحطيم
فافترّ إما عن أقاحى الرّبى ... تضحك أو درّ العقود النّظيم
أو كان قد قبّل مستحسنا ... ما حبّر الفاضل عبد الرّحيم
من لفظه راح وأخلاقه ... روح وتلك الدار دار النعيم
والأبيات تصور قدرة رائعة على تكوين الصور الشعرية البديعة، ففم صاحبته كأس خمر، وهو يرشفها وكأنه يرشف من ماء زمزم ويقبلها وكأنه يقبل الحطيم المقدس. وضحكت فخال أقاحى الربى تضحك، بل عقد در نظيم، بل درر القاضى الفاضل عبد الرحيم، من لفظه خمر وأخلاقه فرح وداره جنة الخلد، ولعله يريد قصر الخلافة الذى كان يعمل به الفاضل كاتبا.
وليس فى شعره أى شائبة تدل أو تشير إلى أنه اعتنق التشيع، وكان عهد وزارة شاور عهدا مضطربا أشد الاضطراب، فسدت فيه أداة الحكم فسادا شديدا، مما جعل شاور يصطرع مع ضرغام على الوزارة، ويستعين بنور الدين أمير حلب ويرسل معه أسد الدين شيركوه وصلاح الدين، فيعيدانه إلى كرسى الوزارة، وما يلبث أن يستعين ضدهما بالصليبيين. ولعل هذا الاضطراب الشديد الذى عانته البلاد حينئذ هو الذى جعل ابن قلاقس يفكر فى مبارحة مصر إلى صقلية، ويبدو أنه كان يسمع فى أثناء مقامه بالإسكندرية من مسلميها الذاهبين إلى الحج تنويها كثيرا بها وبرجالاتها، وكانت قد سقطت فى أيدى النورمانديين ولكن أمراءهم منذ روجّار كانوا لا يزالون يعاملون المسلمين بها معاملة حسنة، وأعانوهم على استمرار نشاطهم العلمى والأدبى.
على كل حال نفاجأ برحيل ابن قلاقس إلى صقلية فى شعبان سنة ٥٦٣ ولم يكد ينزل بها حتى أرسل بقصيدة يصف فيها رحلته البحرية إلى الجزيرة وصفا بديعا، وكانت قد أعجبته مشاهدها الطبيعية فأنشد: