بلد اعارته الحمامة طوقها ... وكساه حلّة ريشه الطاووس
فكأنما الأزهار منه سلافة ... وكأنّ ساحات الديار كئوس
وتنقّل فى بلدانها، وكانت لا تزال عامرة بالمسلمين، ونزل حاضرتها يلرم، وتعرّف على أكبر شخصية عربية بها: أبى القاسم بن الحجر، ويبدو أنه كان رئيس ديوان المسلمين وصاحب الأمر والنهى فيهم، وفيه دبّج مدائح كثيرة، مشيدا ببيانه وبلاغته، وبحسن تدبيره، بمثل قوله:
وبيمناك طير يمن وسعد ... أصفر الظهر أسود المنقار
قلم دبّر الأقاليم فالكت ... ب به من كتائب الأقدار
والبيت الثانى يشير بوضوح إلى أن أبا القاسم كان يصرف أمور المسلمين فى صقلية، ولعله لذلك تسميه بعض المصادر العربية صاحب صقلية، وفيه كتب ابن قلاقس كتابا سماه «الزهر الباسم من أوصاف أبى القاسم» وصف فيه رحلته إلى صقلية ومقامه بها نحو عامين ومدائحه فيه، واحتفظ العماد الأصبهانى فى ترجمته بقطعة كبيرة من هذا الكتاب. وفى ديوانه مدائح كثيرة لشخصية ثانية بصقلية، هى شخصية القاضى على بن أبى الفتح بن خلف الأموى، ويقول العماد إنه نوّه به فى كتابه الزهر الباسم وقال عنه «حدقة العلم الناظرة وحديقة الأدب الناضرة» وفيه يقول:
وكم لك فى الفصاحة من أياد ... ملكت بها الفخار على الإيادى (١)
تخذتك من صقلّية خليلا ... فكنت الورد يقطف من قتاد
وشمتك بين أهليها صفيّا ... فكنت الجمر يقبس من زناد
وابن قلاقس لا يريد أن يهجو أهل صقلية بأنهم قتاد وشوك وابن خلف وحده هو الورد، ولا أنهم زناد صلد وهو وحده الجمر، وكل ما فى الأمر أنه يريد أن يمدحه، وبالغ فى مديحه، أما بعد ذلك فكان هناك أبو القاسم بن الحجر ممدوحه وراعيه فيها. وقد مدح بها آخرين، منهم جردنّا وزير صاحب صقلية، وفيه يقول:
وجرّدنا المدائح فاستقرّت ... على أوصاف جردنّا الوزير
وهو يشير مرارا إلى مجالس الشراب فى صقلية، وأنه قضى بها أياما وليالى هنيئة، كان يستمتع