فيها بالاستماع إلى الغناء والموسيقى ورؤية الراقصات وهن يتثنّين فى نسق بديع من الحركات يقول:
ومغنّ تناولت يده العو ... د فعادت بنا إلى الأفراح
بين ريح من المزامير أسرى ... بين أجسامنا من الأرواح
وصباح قد عقدوا طرر اللّي ... ل جمالا على الوجوه الصّباح
يبعث الروض منهم حركات ... سرقت بعضها طوال الرّماح
وعاد ابن قلاقس إلى مصر، فوجدها لا تزال مضطربة قبل تحول مقاليد السلطان إلى صلاح الدين، ففكر فى الارتحال عنها، وولى وجهه نحو عدن سنة ٥٦٥ استقبله استقبالا حسنا ياسر بن بلال وزير محمد وأبى السعود ابنى عمران حفيد الداعى سبأ صاحبها، فأغدق عليه نائلا غمرا، وركب البحر الأحمر عائدا إلى مصر، فانكسر المركب به وغرق جميع ما كان معه بالقرب من جزيرة دهلك، فعاد إلى ياسر، وأنشده قصيدة دالية استهلها بقوله:
صدرنا وقد نادى السماح بنا ردوا ... فعدنا إلى مغناك والعود أحمد
وجاذبنا للأهل شوق يقيمنا ... وشوق لمغنينا عن الأهل يقعد
وما فاح فينا غير ذكراك روضة ... ولا ساح فينا غير نعماك مورد
فيا ياسرا نلنا به الفضل ياسرا ... ويا من وجدنا منه ما ليس يوجد
دعوت بصوت الجود حىّ على النّدى ... لأنك تروى عن بلال وتسند
والقصيدة كلها من هذا النمط البديع، وما أروع بيتها الأخير، وقد تصور ياسرا يؤذّن بصوت الجود داعيا الناس إليه، ويعلل ذلك تعليلا طريفا، إذ يقرن اسم أبيه بلال إلى بلال مؤذن الرسول وهو يروى عنه ويقتدى به قدوة حسنة. وكان يحسن التعليل كما يحسن التصوير، ومن طريف صوره وتعليلاته قوله فى جارية سوداء:
ربّ سوداء وهى بيضاء معنى ... نافس المسك عندها الكافور
مثل حبّ العيون يحسبه النا ... س سوادا وإنما هو نور
وهى صورة بديعة غريبة. ويكثر مثلها عنده، كقوله يصف الشّعر وأن منه ما يذبل سريعا ومنه ما يخلد على الدهر، ومنه القبيح ومنه الجميل، يقول:
الشّعر منه قصير عمره زهر ... يذوى ومنه طويل عمره زهر (١)
(١) زهر: نجوم، كناية عن الخلود.