ألف بيت، ثم حال الموت بينه وبين إكمالها، فأكملها من بعده الفردوسى فى عهد محمود الغزنوى.
ولم يهتم البويهيون أى اهتمام بهذا الاتجاه القومى فى إحياء الآداب الفارسية، فقد آثروا الانضواء تحت لواء الثقافة العربية الخالصة، وكثير منهم أتقنوا العربية، حتى اتخذوها لسانهم للتعبير عن عواطفهم وأهوائهم، مما جعل الثعالبى يترجم لطائفة كبيرة منهم بين شعراء العربية فى إيران. وكان وزراؤهم من كبار الأدباء وفى مقدمتهم ابن العميد والصاحب بن عباد المشهوران بأشعارهما وكتاباتهما فى العربية. ومع أنه يقال إنه وفد على الصاحب شاعران قدّما له مدائحهما بالفارسية، وهما منصور بن على الرازى الملقب بالمنطقى ومحمد بن على السّرخسى الملقب بالكسروى، غير أن ذلك يعدّ شذوذا فى بيئة البويهيين، فقد كانت بيئة عربية خالصة، وكان مثل هذين الشاعرين يعدّان طارئين عليها. وبالعكس عنيت الدولة الغزنوية، وخاصة فى عهد محمود الغزنوى (٣٨٨ - ٤٢١ هـ) بالعمل على إحياء الآداب الفارسية، مع أن هذه الدولة ترجع إلى أصول تركية. وفى عهد محمود أنجز الفردوسى نظم الشاهنامه فى نحو ستين ألف بيت من الشعر الفارسى (١)، وكان الفرّخى والعنصرى والعسجدى ومنوجهرى يتبارون فى تمجيد فتوحه ومديح أبنائه. وخلفت كل هذه الإمارات السالفة فى إيران الدولة السلجوقية، وفى عهدها أخذ الشعراء الإيرانيون من أمثال أبى سعيد بن أبى الخير وسنائى وفريد الدين العطار وعمر الخيام والأنورى يتجهون نحو التصوف. وتعم هذه الموجة شعراء إيران فى القرون التالية من أمثال الشيخ سعدى الشيرازى وجلال الدين الرومى وحافظ الشيرازى وعبد الرحمن الجامى.
وينبغى أن نعرف أن نشاط هذا الشعر الفارسى وأصحابه لم يكن يقاس فى شئ إلى نشاط الشعر العربى فى إيران وأصحابه طوال القرون الهجرية: الرابع والخامس والسادس.
وأكبر دليل على ذلك أنه بينما ألّفت المجلدات الضخام عن الشعر العربى فى تلك القرون على نحو ما تصوّر ذلك مجلدات اليتيمة ودمية القصر والخريدة لم يؤلف عن الشعر الفارسى كتاب يضم بين دفّنيه شعراؤه، وأول كتاب عنى بهم هو كتاب لباب الألباب لعوفى المؤلف فى أوائل القرن السابع الهجرى. ومعنى ذلك أنهم كانوا حتى هذا التاريخ قلة قليلة بالقياس إلى شعراء العربية، ولو أن الفتح المغولى لم يحدث فى هذا القرن لظل الشعر العربى هو المسيطر على روح الجماعة الإيرانية، ومع ذلك فقد ظل أشواطا من التاريخ والزمن، على الرغم
(١) ترجمت الشاهنامة بمصر فى العصر الأيوبى، ترجمها أبو الفتح البندارى، ونشر ترجمته فى القاهرة الدكتور عبد الوهاب عزام.