وقتها كما تستساغ كلمات الندماء ونوادرهم وفكاهاتهم. وهكذا دائما شعرهم، فهو إنما يعجب فى لحظة قوله، ولذلك كان يروى مع أخبارهم. ومن هذا الطراز نفسه قصيدته فى الفتح بن خاقان التى أنشد ياقوت منها بعض أبياتها، وله وراء ذلك أشعار يصوّر بها سمو نفسه، لعل من أطرفها قوله.
سيعلم دهرى إذ تنكّر أننى ... صبور على نكرانه غير جازع
وأنى أسوس النفس فى حال عسرها ... سياسة راض بالمعيشة قانع
كما كنت فى حال اليسار أسوسها ... سياسة عفّ فى الغنى متواضع
وأمنعها الورد الذى لا يليق بى ... وإن كنت ظمآنا بعيد الشّرائع
فهو تصور نفسه صابرة لا تجزع مهما ادلهمّت الخطوب، كما يصور نفسه لا تهون فى حال عسر او شدة، بل تتقبّلها راضية قانعة كما تقبّلت اليسر قبلا مزدرية مغرياته فى تواضع غير مسفّ دون أى إحساس باستعلاء، وإنه ليمنع نفسه الإلمام بأى ورد دنىّ مهما كان ظمآن، كاظما لظمئه، محتملا لحرارة عطشه.
وله فى الطيف:
بأبى والله من طرقا ... كابتسام الصبح إذ خفقا
زادنى شوقا برؤيته ... وحشا قلبى به حرقا
زارنى طيف الحبيب فما ... زاد أن أغرى بى الأرقا
وكأنما أراد أن يحاكى البحترى فى كثرة أشعاره التى نظمها فى الطيف. ولا شك أنه من طراز متوسط، فأجنحته ليست من القوة بحيث تستطيع أن تحلق به فى الأفق الذى يحلق فيه البحترى. ومرّت بنا آنفا رعايته للأدباء والشعراء، مما جعل غير شاعر ينظم فيه بعض مدائحه، مصورا كرمه الفياض من مثل قول أبى هفان:
لربيع الزمان فى الحول وقت ... وابن يحيى فى كل وقت ربيع