قيل إنه طبيب ومنجم وأديب وشاعر ومغن وجليس ومضحك. مع هذا كله كان فيه غير قليل من الوقار، وكان يعدّ من رعاة الأدب فى عصره حتى كان بيته مألفا للأدباء، وكان يصل كثيرا منهم بالخلفاء والأمراء، ويستخرج لهم منهم الصلات، وكان يبلغ من عنايته بهم أن يهدى إلى الخلفاء والوزراء عنهم الهدايا الطريفة، حتى ينفحوهم بالنوال السابغ، وكان كثيرا ما يهب من ماله لمن يحرمون الصلات من الأدباء. وليس ذلك كل ما يرفع منه، فقد ألهمه تفكيره الصائب أن يستغلّ الأموال الكثيرة التى كانت تنشر عليه من المتوكل وغيره من الخلفاء فى إقامة مكتبة ضخمة، مرّ بنا حديث عنها فى غير هذا الموضع، وكان طلاّب العلم يقصدونها من كل مكان والكتب مبذولة لهم، وكذلك النفقة مهما طالت إقامتهم. وبذلك كان من رعاة طلاب العلم والأدب فى عصره، بل لعله كان أكبر رعاتهما، ولا شك فى أن ما عرف عنه من خبرة تامة بالكتب وثقافة واسعة بها هو الذى جعل الفتح بن خاقان يطلب إليه صنع مكتبة له يباهى بها معاصريه. ومن تتمة ثقافته أن يذكر له من التصانيف كتاب الشعراء القدماء والإسلاميين، وكتاب أخبار إسحق الموصلى وكتاب الطبيخ، والكتابان الأخيران بتصلان بمنادمته لاتصالهما بأخبار المغنين وبتذوّق الأطعمة.
وكان شاعرا، وله شعر كثير كما يقول ياقوت فى ترجمته، غير أنه لم يكن يعجب بشعره، ولذلك لم يكثر من الاستشهاد به إلا ما جاء فى سياق أخباره، ولو أنه صنع لاطلعنا بوضوح على أشعاره فى الخلفاء والوزراء. ولعل أول شعر قاله ما نظمه فى رثاء المأمون ومديح المعتصم، مما رواه ياقوت فى ترجمته، وبدون ريب كانت له أشعار كثيرة فى المتوكل ومن تلاه من الخلفاء، ونستطيع أن نتخذ صورة لهذه الأشعار قوله فى المعتز حين استولى على مقاليد الخلافة:
بدا لابسا برد النبىّ محمد ... بأحسن مما أقبل البدر طالعا
سمىّ النبىّ وابن وارثه الذى ... به استشفعوا أكرم بذلك شافعا
وكل عزيز خشية منه خاشع ... وأنت تراه خشية الله خاشعا
وهو شعر متوسط. شعر يعتمد على المناسبة الحاضرة، ولذلك كان يستساغ فى