للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عمر بن الحسن الهوزنى ترب المعتضد أمير إشبيلية ورفيقه فى شبابه، فكتب إليه يستصرخه (١)، ليرأب الصدع ويداوى الجروح، ونظم أشعارا يحض فيها الأندلسيين على جهاد العدو قبل أن يستفحل الخطب ويعضل الداء من مثل قوله (٢):

بيّت الشرّ فلا يستزلّ ... طرق النّوّام سمع أزلّ (٣)

فثبوا واخشوشنوا واحزئلّوا ... كلّ ما رزء سوى الدّين قلّ

بدء صعق الأرض نشء وطلّ ... ورياح ثم غيم أبلّ (٤)

يدنا العليا، وهم-ويك-شلّ ... فلم استرعى الأعزّ الأذلّ (٥)

عجب الأيام ليث صملّ ... ذعرته نعجة إذ تصلّ (٦)

وهو يصرخ فى كل أندلسى أن يعزم-بقوة-على الشر، فقد صكّ مسامع النوام ذئب فاتك. وعليهم أن يثبوا بأعدائهم ويخشوشنوا ويتجمعوا لهم حتى يضربوهم الضربة القاضية. وإنه لينذر قومه فبدء الصواعق سحاب ينشأ وطل خفيف ورياح لينة، ثم غيم كثيف ورعود وبروق وعواصف مدمرة. ويحاول أن يملأ روح الأندلسيين حماسة ملتهبة، فيقول إننا كثرة غالبة ولنا العز والبأس والمنعة، وأعداؤنا قلة ذليلة، فكيف دهى الأذلاء الأعزاء واستباحوا ديارهم، ويعجب أشد العجب من أن تفزع نعجة لا حول لها ولا قوة بصوتها اللين الرخيم أسدا ضاريا بالغ الصلابة مفرط القوة. واستطاع أبو حفص الهوزنى وأضرابه من شعراء الأندلس أن يملئوا نفوس أهل سرقسطة غضبا لإخوانهم من أهل بربشتر، فلم يدر عام حتى انقضّوا على النورمانديين ونكلّوا بهم، واسترجعوا بربشتر، وغسلوها من وضرهم ورجسهم.

وكان فردناند ملك قشتالة قسم دولته بين أولاده الثلاثة: شانجه بقشتالة وألفونس بليون وأشتوريش وغرسية بجليقية والبرتغال، واختصم شانجه وألفونس وانتصر شانجه ففر ألفونس إلى دير، ثم لجأ إلى المأمون بن ذى النون صاحب طليطلة، وبدلا من أن ينتهز الفرصة التى أمكنته من عدوه أنزله ببلده فى قصر وأكرمه لمدة تسعة شهور، درس فيها طليطلة ومداخلها ومخارجها. واغتيل شانجه، واستدعى القشتاليون ألفونس وأصبح


(١) الذخيرة ٢/ ٨٩.
(٢) الذخيرة ٢/ ٨٩.
(٣) سمع أزل: ذئب فاتك.
(٤) غيم أبل: غيم ممطر مطرا شديدا.
(٥) شل: يريد قلة.
(٦) صمل: شديد الخلق. تصل: تصيح بصوت لين رقيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>