للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ملكا عليهم وعلى ليون وجليقية والبرتغال. وكان أول ما أهمّه الاستيلاء على طليطلة حتى يردّ الدّين الذى فى عنقه لبنى ذى النون! يقول ابن الخطيب: «وسكناه بطليطلة واطلاعه على عوراتها هو الذى أوجب تملك النصارى لها (١)». ولم يلبث أن استولى عليها-كما مر بنا فى غير هذا الموضع-سنة ٤٧٨ واستولى على جميع المدن والقرى التابعة لها من وادى الحجارة إلى طلبيرة وشنتمرية، وكان لذلك زلزلة ضخمة فى نفوس الأندلسيين، إذ استولى ألفونس لا على مدينة بل على قلعة ضخمة من أكبر قلاعهم، وانبرى شاعر كبير يحرض الأندلسيين على الأخذ بالثأر واسترداد تلك الجوهرة الكبيرة، بقصيدة تقطر غضبا وموجدة، وفيها يقول (٢):

طليطلة أباح الكفر منها ... حماها إنّ ذا نبأ كبير

ألم تك معقلا للدّين صعبا ... فذلّله-كما شاء-القدير

فعادت دار كفر مصطفاة ... قد اضطربت بأهليها الأمور

مساجدها كنائس أىّ قلب ... على هذا يقرّ ولا يطير؟ !

أذيلت قاصرات الطّرف كانت ... مصونات مساكنها القصور (٣)

والنزعة الدينية قوية فى القصيدة، إذ كانت حرب الشماليين فعلا حربا صليبية، والشاعر جزع أن يسقط هذا المعقل الكبير للدين الحنيف، ولا يهبّ أبناؤه لحمايته واستعادته، حتى لقد أصبح دار كفر بعد أن كان دار إيمان وهداية. ولم يوف ألفونس بما عاهد عليه بنى ذى النون أمراءها وأهلها من الإبقاء على مساجدهم واحترام شعائرهم الدينية، فقد أحال مسجدها الكبير كنيسة. ويستثير الشاعر حمية المسلمين لا للدين الحنيف فحسب، بل أيضا للعرض الذى طالما سلّت السيوف من أجله وأذيقت الحتوف، فقد امتهنت النساء العفيفات ربات القصور الحسان ذوات الجمال، وتحوّلن إلى خادمات فى بيوت العلوج، وإنه لحرى أن يغلى لذلك دم كل مسلم وأن يمتشق الحسام للثأر والفتك بأعداء الإسلام، يقول:

خذوا ثأر الديانة وانصروها ... فقد حامت على القتلى النّسور

ولا تهنوا وسلوّا كلّ عضب ... تهاب مضاربا منه النّحور (٤)

وموتوا كلّكم فالموت أولى ... بكم من أن تجاروا أو تخوروا (٥)


(١) أعمال الأعلام ٢/ ٣٣٠.
(٢) نفح الطيب ٤/ ٤٨٣ وما بعدها.
(٣) أذيلت: امتهنت. قاصرات الطرف: عفيفات.
(٤) العضب: السيف القاطع.
(٥) تجاروا: من أجاره إذا حماه. تخوروا من خار: ضعف ووهن.

<<  <  ج: ص:  >  >>