وهو هجاء لاذع للعزيز عثمان إذ يجعله-لشدة شحه-شحاذا يأخذ الصدقة. ويبدو أنه ظل بمصر بعد وفاة العزيز طغتكين سنة ٥٩٣ ومكث بها مدة انعقدت فيها صداقة بينه وبين شعرائها، يقول ابن خلكان:«اتفق فى عصره بمصر جماعة من الشعراء المجيدين وكان لهم مجالس يجرى بينهم فيها مفاكهات ومحاورات يروق سماعها، ودخل فى ذلك الوقت شرف الدين بن عنين فاحتفلوا به وعملوا له دعوات، وكانوا يجتمعون على أرغد عيش». وتوفى العزيز عثمان سنة ٥٩٥ وتولى بعده أخوه الأفضل وتطورت الظروف وتحول ملك صلاح الدين فى مصر والشام إلى أخيه الملك العادل، فولّى على مصر ابنه الكامل وعلى دمشق ابنه المعظم عيسى. وحنّ ابن عنين إلى العودة إلى دمشق فأخذ يستعطف العادل أن يعود إليها وأذن له فى العودة ولزم ابنه المعظم عيسى (٥٩٧ - ٦٢٤ هـ) يمدحه، وقرّبه منه واتخذه بأخرة من أيامه وزيرا له، حتى إذا توفى رثاه رثاء حارا. وأبقى له منزلته ابنه داود (٦٢٤ - ٦٢٦) وخلفه الأشرف موسى فلزم بيته واصطلحت عليه الأمراض، وتوفى سنة ٦٣٠ عن ٨١ عاما.
والديوان موزع على أبواب المديح والرثاء والحنين إلى دمشق والوقائع والمحاضرات مما يتصل بظروفه والأحداث اليومية، ثم الدعابة والتهكم والسخرية والألغاز والهجاء. وألحق محقق الديوان بتلك الأبواب مستدركا بما عثر عليه من شعر ابن عنين فى كتب التاريخ والأدب. وهو فى مقدمة شعراء دمشق بزمنه إن لم يكن سابقهم المجلىّ، إذ كانت ملكته الشعرية خصبة، غير أنه استغلها أكبر استغلال فى الهجاء مما جعل صلاح الدين ينفيه-كما مر بنا-عن دمشق، وحتى من أكرموه كان يهجوهم غير مراع فيهم إلاّ ولا ذمة، إذ كان ما يلبث أن يعضّ أيديهم التى امتدت لإكرامه، من ذلك هجاؤه للسلطان العادل الذى فتح له أبواب دمشق، إذ ما لبث أن قال فيه بعد دخولها:
إن سلطاننا الذى نرتجيه ... واسع المال ضيّق الإنفاق
هو سيف كما يقال ولكن ... قاطع للرسوم والأرزاق
وكان العادل يلقب سيف الدين، وأنقذه من تشتته وضياعه فى البلاد وردّه إلى دمشق حبيبة قلبه ومهوى فؤاده التى طالما تغنى بالحنين إليها، ومع ذلك جزاه بالهجاء. وحقّا له فيه مدائح رائعه، ولكن كان ينبغى أن يرد شيطان هجائه عن الإلمام بساحته. وأكرمه المعظم عيسى بن العادل صاحب دمشق إكراما إلى أقصى حد حتى جعله نديمه ومؤنسه ووزيره ومستشاره، ومع