والنساء هنا جميلات، لون بشرتهنّ أبيض، وشعورهن فاحمة ولامعة، لأنهن يكثرن من التردد على الحمامات ويعتنين بأنفسهن كثيرا، وبيوتها جميعا من طابق أرضى واحد، ومع ذلك أنيقة جدا وبهيجة المنظر، لأن لكل بيت منها حديقة مليئة بالزهور المتنوعة لا سيما من الورود والرّيحان والبنفسج والقرنفل وأزهار أخرى لا تقل عنها بهاء، ولجميع البيوت عيون ماء تسقى منها. وعلى الجانب الآخر من الحديقة تكعيبة بديعة تعطى فى الصيف ظلاّ ظليلا ومنعشا. ولذلك فإن من ينزل فى نقاوس يود لو يبقى فيا حينا طويلا من الدهر ويأسف لاضطراره إلى مغادرتها لما لقيه من أهلها المضيافين من حفاوة وترحاب». ونقاوس لم تكن ميناء تتوسط حقوق عناب مثل بونة مثلا ولا كانت تتلقى غنائم البحر مثل بونة وموانى الساحل الشمالى، إنما هى مدينة عادية فى البقاع الداخلية تعيش على ما تنتجه سهولها من قمح ومزارعها من تين وجوز، مثلها فى ذلك مثل بلدان عادية كثيرة فى الجزائر، ومع ذلك فيها دار ضيافة لإكرام الغرباء ومدرسة مجانية تكفل لطلابها الكساء والغذاء وجامع فسيح جميل مجهز بكل متطلباته ونساء جميلات، والبيوت جميعا من طابق أرضى واحد، فليس بينها قصر أو قصور، بل الجميع سواء فى المسكن والمعيشة، ولكل بيت حديقته المكتظة بالأزهار العطرة وتكعيبته التى تتيح لساكنيه فى الصيف ظلا ظليلا منعشا. ولكأن الحسن الوزان يصف فردوسا من فراديس الجنان امتلأ برفاهية لا حدّ لها ولا نهاية، وإنه لآسف أشد الأسف لمبارحته لها. وتلك كانت مدن الجزائر وقراها قبل أن يحتلها الفرنسيون، وبون بعيد بين نقاوس الأمس ونقاوس أيام الفرنسيين وما نزل عليها من بلاء حين وطئتها هى وأمثالها أقدام المحتلين الباغين. وبدون ريب كانت مدن-أو على الأقل بعض المدن وخاصة الساحلية بل أيضا الداخلية يغمرها مثل هذا الرفه الرائع. ويتوقف الحسن الوزان مرارا أمام بعض المدن التى بهرته مبانيها ليقول إنها بديعة، ومن قوله عن بجاية:«سائر بيوتها جميلة» ويذكر جوامعها ومدارسها وحماماتها وفنادقها ومارستاناتها ويقول: «كلها عمارات حسنة البنيان» ويقول عن وهران: إنها مجهزة بكل العمارات والمؤسسات التى تميز مدينة حضرية كالجوامع والمدارس والمارستانات والحمامات والفنادق. ويفيض فى الحديث عن رفه أهل تلمسان، ومما يذكره بها خمس مدارس بديعة حسنة البنيان جدا ومزدانة بالبلاط الملون وسواه من الأعمال الفنية». ومرّ بنا ما ذكره من أن سكانها يقضون الصيف فى كور بديعة لهم فيها منازل غاية فى الأناقة ومن حولها بساتين فاخرة تنتج كرزا وأعنابا من كل الألوان ودرّاقا وجوزا ولوزا وثمارا مختلفة، وينوه بملابس أهلها من صناع وغير صناع ومن أساتذة مدرسين وقضاة، ويتسع فى الحديث عن البلاط الملكى بها وموظفى الدولة ورئيس التشريعات، وكأننا بإزاء عاصمة دولة حديثة متحضرة غاية التحضر ناعمة بغير قليل من الرفاهية.
ويدل أبلغ الدلالة على ما نعمت به تلمسان من رفه أيام دولة بنى زيان ما نفذ إليه عالم