للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صاحب غزوات مشهورة، واستقبل ابن الحداد استقبالا حافلا، وأكثر من إسباغ عطاياه عليه، وأكثر ابن الحداد من التغنى بانتصاراته على ابن ردمير حاكم أراجون، وله فيه من مدحة يصور فيها بسالته الحربية وبناءه حصن المدوّر فى نحر العدو:

مساعيك فى نحر العدوّ سهام ... ورأيك فى هام الضلال حسام (١)

ولمحك يردى القرن وهو مدجّح ... وذكرك يثنى الجيش وهو لهام (٢)

كأنك لا ترضى البسيطة منزلا ... إذا لم يطنّبه عليك قتام (٣)

كأنك خلت الشمس خودا فلم يزل ... يقنّعها بالنّقع منك لثام (٤)

وواضح أنه أبدع فى تصوير غزوات المقتدر المستمرة التى لا يزال يشنها على العدو حربا فى إثر حرب، حتى ليتصوره ابن الحداد لا يتخذ له مسكنا فى الأرض إلا ساحات القتال وقد شدّت عليه فيها أطناب القتام وغبار القتال الأسود الكثيف ويبعد فى الخيال، فيظن المقتدر يخال الشمس فتاة جميلة، وكأنه يغار عليها، فلا يزال يثير غبار الحرب متخذا منه لها لثاما أو حجابا. وحنّ إلى المعتصم بن صمادح، فعاد إليه وإلى المرية، وهو يردّد.

واصل أخاك وإن أتاك بجفوة ... فخلوص شئ قلما يتمكّن

فى كلّ شئ آفة موجودة ... إن السّراج على سناه يدخّن

وذكرنا فى صدر الحديث عنه أن كان مولعا بالفلسفة وعلوم الأوائل، ولعل ذلك ما دفعه إلى نظم قصيدة سماها «حديقة الحقيقة» وضاعت فيما ضاع من ديوانه، وكانت كبيرة كما يقول مترجموه، وأنشد منها ابن الأبار قوله:

ذهب الناس فانفرادى أنيسى ... وكتابى محدّثى وجليسى

صاحب قد أمنت منه ملالا ... واختلالا وكلّ خلق بئيس

ولعله تناول فيها جوانب من أخلاق الناس بعد أن عاشرهم طويلا دون محاولة لسخط عليهم أو نقمة، وأخيرا لبىّ ابن الحداد نداء ربه بالمرية سنة ٤٨٠.


(١) هام: جمع هامة: الرأس.
(٢) اللهام: الجيش الجرار.
(٣) يطنبه: يغطّيه كالخيمة. القتام: الغبار.
(٤) الخود: الحسناء. النقع: غبار الحروب.

<<  <  ج: ص:  >  >>