ومنهم من ولى الحسبة، ومنهم من كان تاجرا ثريا، وأول من خدم العلم من أسرته أبوه، وقد هاجر من بلدته إلى القاهرة ونبه شأنه بين فقهاء الشافعية وأفتى ودرّس وناب فى الحكم بالقاهرة، وفى سنة ٨٤٩ ولد له عبد الرحمن ولم يكد يبلغ السادسة من عمره حتى توفى الأب، ويبدو أنه ترك له ثروة أعانته على نشأة علمية طيبة، وقد ترجم لنفسه فى كتابه:«حسن المحاضرة» ترجمة ضافية، ذكر فيها طائفة من شيوخه فى مقدمتهم الشيخان: البلقينى والمناوى فى الفقه الشافعى وتقى الدين الشّبلى فى الحديث والكافيجىّ فى التفسير والأصول والعربية وعلم المعانى وسيف الدين الحنفى فى الكشاف للزمخشرى وفى بعض المصنفات البلاغية للسكاكى والقزوينى. ويقول إنه شرع فى التصنيف سنة ٨٦٦ ولما يتجاوز السابعة عشرة من عمره، كما يقول إنه أفتى فى سنة ٨٧١ وعقد له مجلس لإملاء الحديث سنة ٨٧٢. ويذكر أن زار بلادا كثيرة: الشام والحجاز واليمن والهند والمغرب والتكرور، كما يذكر أنه تبحّر فى سبعة علوم: التفسير والحديث والفقه والنحو والمعانى والبيان والبديع، ويقول إنه يستثنى الفقه فأستاذه كان أعلم به منه. أما العلوم الستة الباقية فلم يكن أحد يجاريه فيها، ودونها فى التعمق العلمى أصول الفقه والجدل والصرف، ودونها هى الأخرى الإنشاء والترسل وعلم الميراث والقراءات ثم الطب. ويذكر أن مشايخه فى الرواية سماعا وإجازة كثيرون إذ تبلغ عدّتهم نحو مائة وخمسين.
ويمضى السيوطى فى ترجمته لنفسه، فيذكر مؤلفاته فى العلوم والفنون المختلفة، وقد بلغت أكثر من ثلاثمائة كتاب ورسالة، منها فى الحديث النبوى نحو تسعين مصنفا وفى التفسير ومتعلقاته نحو عشرين وفى اللغة وعلوم العربية نحو خمسين وفى الأصول والبلاغة والتصوف نحو عشرين وفى الفقه نحو عشرين أيضا وفى التاريخ والأدب نحو خمسين. وعلى هذا النحو تلقانا لا مؤلفات بل سيول من المؤلفات فى كل علم وفن. وبحق يعدّ السيوطى أكثر علماء هذا العصر تأليفا وإحاطة بالعلوم العربية والشرعية الدينية. وله أكثر من كتاب طبع فى العصر الحديث وطارت شهرته، من ذلك فى الحديث النبوى كتابه «جمع الجوامع» وهو معجم واف للأحاديث النبوية، ومن ذلك فى التفسير تفسير الجلالين، ومرّ حديث عنه فى الفصل الثانى، وله لباب العقول فى أسباب النزول، وأيضا الدر المنثور فى التفسير بالمأثور، وهو مطبوع فى ستة مجلدات. وكتابه «الإتقان فى علوم القرآن» كتاب رائع. ومن مصنفاته فى التاريخ والتراجم تاريخ الخلفاء وهو مطبوع مرارا فى الغرب والشرق. وقد عرضنا لنشاطه فى هذا الجانب فى حديثنا بالفصل الثانى عن التاريخ والمؤرخين. وكان نشاطه اللغوى والنحوى خصبا إلى أبعد غاية، وصورنا ذلك من بعض الوجوه