ولا بد من ملاحظة أن البربر الذين اعتنقوا الدين الحنيف أخذوا يشتركون مع الجيوش العربية فى الفتوح وحرب الكفار، وكان زملاؤهم من العرب فى حمل السلاح يلقّنونهم آى الذكر الحكيم ومبادئ الإسلام وتعاليمه، ويذكر المالكى فى كتابه «رياض النفوس» أن جيش زهير بن قيس والى المغرب بعد عقبة بن نافع كان مكوّنا-فى بعض حربه لكسيلة الثائر المغربى-من ألفين من البربر وأربعة آلاف من العرب، كما يذكر ابن عذارى فى كتابه «البيان المغرب» أنه كان فى جيش حسان بن النعمان (٧١ - ٨٥ هـ) اثنا عشر ألفا من البربر، ويذكر أيضا أن جيش طارق بن زياد البربرى والى طنجة لموسى بن نصير كان مكونا-فى فتحه لإيبيريا-من سبعة عشر ألفا من العرب واثنى عشر ألفا من البربر، ويعقّب ابن عذارى على ذلك بأن موسى بن نصير «أمر العرب أن يعلّموا البربر القرآن وأن يفقّهوهم فى الدين». ومعنى ذلك أن الجند العربى الذى كان يعايش الجند البربرى فى حرب الكفار ونشر الإسلام كان يعلّمه القرآن وتعاليم الإسلام الدينية. ويصوّر ذلك من بعض الوجوه ما رواه الشمّاخى فى كتابه السّير عن عمر بن يمكتن أول معلم من البربر للقرآن الكريم فى جبل نفوسة بطرابلس قبيل اشتراكه فى ثورة أبى الخطاب المعافرى سنة ١٤٠ للهجرة وتوليته له على مدينة سرت، فقد روى عنه أنه تعلم القرآن بطريق (مقمداس) كان يتلقّى فيها السّابلة والمارّة من المشرق (يريد الجند العربى الداخل إلى إفريقية التونسية) فيكتب عنهم لوحا من القرآن وينصرف إلى منزله، فإذا حفظ ما فيه رجع إلى المحجّة (الطريق) فيكتب من المارّة والرّفاق كذلك حتى حفظ القرآن وتعلّم العلم». ويقول الشمّاخى إنه «كان يصنع ذلك لحرصه على طلب العلم والقرآن فى أول الإسلام وقلة المعلمين فى البلدان». ونظن أنه إنما كان يصنع هذا الصنيع حتى يتلقّن بدقة أداء ألفاظ الذكر الحكيم على وجوهها الصحيحة، لأن أداءها لا يكفى فيه ما كتب فى مصاحفه أو فى الصحف، بل لا بد فى القرآن الكريم من أخذه شفاها، حتى يحكم الشخص تلاوة آياته بنطقها وأدائها الدقيق، وهو ما دفع ابن يمكتن إلى أخذه شفاها من أفواه السابلة والمارّة من الجند العربى الداخل إلى إفريقية التونسية والبلاد العربية. وفى هذا الخبر ما يوضح مدى ما أسداه الجند العربى الفاتح للمغرب-حتى المارّة منهم بالطرق-فى تحفيظ القرآن وحسن أدائه للمغاربة شبابا وغير شباب، ويقول ابن يمكتن إنه تعلم-من مارّة الجند أيضا-العلم يريد تعاليم الإسلام والفقه بالدين الحنيف. فأينما كان الجند العربى مجاهدا فى سبيل الله مع البربر ومقيما بين ظهرانيهم ومارا بطرقاتهم كان يعنى بشدّ أزرهم فى حفظ القرآن الكريم والمعرفة الدقيقة بمبادئه والتفقه البصير بتعاليمه.