ولا بساط فى البيت إلا الرمل والحصى، وهو يتلو القرآن مترنما بآيه. فحملوه إلى المتوكل ووصفوا له ما يعيش فيه من شظف، فرقّ له، وسأله: ما يقول آل بيتك فى العباس بن عبد المطلب (جد العباسيين)، فأجابه بقوله: وما يقول آل بيتى يا أمير المؤمنين فى رجل افترض الله طاعة نبيه على خلقه وافترض طاعته على نبيه؟ ولان قلب التوكل له فأمر بإعطائه أربعة آلاف دينار، وقيل بل مائة ألف درهم. ولم يرد الحمّانى فى إجابته ظاهرها من طاعة العباس على نبيه كما يتضح فى الشطر الثانى من الجواب، وإنما أراد طاعة الله على نبيه.
ومرّ بنا أن الشعراء أكثروا فى عصر المتوكل من ذمّ العلويين إرضاء له، وكان من أكثرهم قدحا فى على وآله على بن الجهم وكان ينتسب إلى بنى سامة بن لؤىّ القرشيين، وافتخر مرارا بهذا النسب فى أشعاره، وكان طبيعيّا أن لا يسكت الحمّانى على هذا القدح، وخاصة أنه تتداوله الألسنة وتعمل بغداد على نشره، فطعن على بن الجهم طعنة بطعنات، ولكن لا بالقدح فى خلقه وعرضه على عادة الشعراء فى عصره، وإنما بالقدح فى نسبه إلى سامة، فهو ليس من أحفاده، وبالتالى ليس قرشيّا ولا فيه من القرشية شئ يقول:
وسامة منّا فأما بنوه ... فأمرهم عندنا مظلم
أناس أتونا بأنسابهم ... خرافة مضطجع يحلم
وعرف على بن الجهم له فضله وحقه وحق أسرته العلوية، فلم ينبس ببنت شفة واجدا عليه ولا هاجيا، وإنما اكتفى بأبيات ينوّه فيها بفضله، ويعترف له فيها بحقه وحقوق بيته.
وقد حزن الحمّانى حزنا شديدا على ابن عمه يحيى بن عمر حين خرج لعهد المستعين داعيا لنفسه بالخلافة، وقتل دون أمنيته، وحدث أن الحسن بن إسماعيل قائد الجيش الذى نكّل به دخل الكوفة عقب انتصاره مهدّدا متوعدا، ولم يمض الحمانى للسلام عليه، وكان الوحيد الذى تخلّف من العلويين عن لقائه، ولا حظ ذلك الحسن بن إسماعيل، فبعث إليه بجماعة أحضروه حتى إذا دخل مجلسه أظهر شجاعة