للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجلدا وأنه لا يخشى سطوة القائد، ولم يلبث أن أنشده:

قتلت أعزّ من ركب المطايا ... وجئتك أستلينك فى الكلام

وعزّ علىّ أن ألقاك إلا ... وفيما بيننا حدّ الحسام

وهو موقف كريم إذ لم يتملق القائد كما كان يظن ولا داراه، بل جاهره بما فى نفسه دون خوف أو وجل. وله مراث كثيرة فى يحيى، يبكيه فيها ويندبه، ويصور أنه مات موتا كريما، موت البطل الشجاع الذى لا يرهب الموت بل يلقاه فى قوة وصلابة مهما ادلهمت الخطوب من حوله، ومهما أظلمت الدنيا فى عينيه، حتى لتهول بطولته خصومه، وحتى ليطلبون لقبره السّقيا وله الرحمة، يقول:

فإن يك يحيى أدرك الحتف يومه ... فما مات حتى مات وهو كريم

وما مات حتى قال طلاّب روحه ... سقى الله يحيى إنه لصميم

ويصوّر فى مراثيه له مأساة البيت العلوى وأن أفراده دائما بين قتيل وجريح.

وللحمّانى مراث كثيرة-بجانب مراثيه لابن عمه يحيى-فى أهله، وفى أخيه لأمه إسماعيل وهو لا يرثى فيه الأخ والرحم القريبة فقط، بل أيضا يرثى الصديق شقيق النفس والروح، ويتفجّع عليه تفجّعا شديدا بمثل قوله:

هذا ابن أمى عديل الروح فى جسدى ... شقّ الزمان به قلبى إلى كبدى

من لى بمثلك يا روح الحياة ويا ... يمنى يدىّ التى شلّت من العضد

قد ذقت أنواع ثكل أنت أبلغها ... على القلوب وأخناها على الجلد

فاليوم لم يبق شئ أستريح له ... إلا تفتّت أحشائى من الكمد

قل للرّدى لا يغادر بعده أحدا ... وللمنيّة من أحببت فاعتمدى

إن السرور تقضّى بعد فرقته ... وآذن العيش بالتكدير والنّكد

والمرثية مؤثرة وهى سيل من الدموع والزفرات والأنين الموجع. وللحمّانى

<<  <  ج: ص:  >  >>