للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هناك إلا العذاب وإلا تجرّع الغصص واحتمال الأهوال والآلام، ولا مشفق ولا رسيم.

وعلى هذا النحو ظل الغزل الصريح بجوار الغزل العفيف، يحيى معه هذه الحياة التى تضيف إليه خصبا فوق خصب، إذ كان الغزلون الماديون يستمدون دائما من مخازن الغزل العفيف كثيرا من المعانى التى تصور لوعات الحب وعذابه.

ولن نستطيع أن نعرض طرائف النوعين. فقد مرت من ذلك لمحة، إنما يكفى أن نذكر شيوعهما على ألسنة الناس جميعا من خلفاء ووزراء وولاة وكتّاب ورجال ونساء، مكتفين ببعض النماذج والأمثلة. وأكبر شاعر بين الخلفاء-وإن لم تبق خلافته سوى يوم وليلة-هو ابن المعتز. ومرّ بنا حديث مفصّل عنه. وكان عمه المنتصر شاعرا، وله قطع مختلفة فى الحب، كان يطرحها على المغنين ويوقعونها على آلات الطرب، وفى مقدمتهم مغنيه بنان، ومما غنّاه به قوله (١):

رأيتك فى المنام أقلّ بخلا ... وأطوع منك فى غير المنام

ولو أن النعاس يباع بيعا ... لأغليت النعاس على الأنام

وكان أشعر منه الخليفة الراضى، وكان له ديوان شعر سقط من يد الزمن.

وروى له الصولى فى كتابه: «أخبار الراضى بالله والمتقى بالله» طائفة كبيرة من أشعاره. وله قطعة تداولتها الكتب فى ترجمته وهى فى وصف جارية مغنية كان يفتن بها، وتجرى على هذا النمط (٢):

قد أفصحت بالوتر الأعجم ... وأفهمت من كان لم يفهم

جارية تحبّ من لطفها ... مخاطبا ينطق لا من فم

جسّت من العود مجارى الهوى ... جسّ الأطباء مجارى الدّم

وكثير من الوزراء كانوا شعراء، ومعروف أنهم كانوا يختارون من صفوة كتّاب الدواوين. وكان كثير منهم يسيل الشعر على لسانه، فيعبّر به عن عواطفه


(١) مروج الذهب ٤/ ٤٨.
(٢) معجم الشعراء ص ٤٣١ وفوات الوفيات ٢/ ٣٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>