البدو وفى المدن الحضرمية، فكان لا يزال يرسل إليهم الحملات، ولا يزال بهم حتى يلقوا له عن يد وهم صاغرون، وصوّر ذلك فى قصائد كثيرة ذاكرا نشره للدعوة الإباضية وكيف أن خطباء يوم الجمعة يخطبون باسم إمامه فى كل مكان بحضرموت، وكيف أن البلاد والقبائل دانت له مذعنة مستسلمة، يقول للخليل فى إحدى قصائده:
سل الخطبا لما دعوا لك جهرة ... على رغم أهل الجور بعد التصادم
وسل عرب البيداء لما أذقتهم ... عشيّة خانوا العهد سمّ الأراقم
وأمّا نواحى حضرموت فإنها ... بحول إلهى طوع أمرى كخاتمى
ولم يبق لى إلا الصّليحىّ قائما ... وها هو أيضا سعده غير قائم
ونحن إليه واردون بجيشنا ... فما هو أدهى من ملوك الدّيالم
وهو فى البيتين الأخيرين يشير إلى أنه عازم على حرب الصليحى مؤسس الدولة الصليحية فى اليمن وكان قد أخذ يدعو لنفسه ويبدو أن كلا منهما كان يتحرّش بصاحبه، ويهدده بأنه سيستعين بإمامه، وكان الصليحى يهدده بالخليفة الفاطمى وجنوده، وإلى ذلك يشير أبو إسحق بقوله:
يخوّفنى أنّ المعزّ ملاذه ... بمصر وما خوفى لأهل المظالم
إذا وفده ولّى إلى مصر رائدا ... مضى وفدنا قصدا لخير المعالم
ليعلم أىّ الحزب أسبق نصرة ... وأيّهما أولى بفعل المكارم
وواضح أنه سمى المستنصر خليفة مصر حينئذ المعز كأنه لا يعرف لقبه الحقيقى. وخرج هو وخصمه الصليحى من التهديد والوعيد إلى إشعال الحرب، ونرى أبا إسحق يوجه قصيدة أشبه بنداء إلى إمامه الخليل بن شاذان كى يغيثه وينصره ضد الصليحى، قبل أن تتفاقم المعارك وتقع الكارثة، يقول له من قصيدته نونية:
انصر أخاك فإن الحرب قائمة ... والحق يطلب من أهليه أركانا
اجعله أوّل ما تحيا البلاد به ... إنا نؤمل جيشا منك يغشانا
واعلم بأنك قد أثّرت مأثرة ... فارفع لها شرفا فالأمر قد هانا
ويبدو من البيت الأخير أن الخليل بن شاذان كان قد أرسل إليه معونة مالية، وهو يريد معونة حربية. واستطاع فعلا أن يرد جيوش الصليحى وأن ينزل بها خسائر فادحة.
ويتوفى الخليل بن شاذان إمامه ويخلفه راشد بن سعيد، ويبقيه واليا له على حضرموت.
ويظل يرسل له بقصائد المديح، وكان قد استولى على عمان كما أسلفنا، وله يقول:
أيا راشد إنا لعمرك نزدهى ... بذكراكم فى حضرموت تعاظما