للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنفاسا حارة ملتهبة، وتتلطف له قائلة لا تطلب منى النطق بالسلام، فلم أعد أستطيع الكلام، وتشعر كأن الفراق يكلفها من الجهد فوق ما يطيق جسدها وروحها، بل لكأنما لم يعد لها جسد ولا روح. ويعود إلى تصوير لوعة هذا الفراق لمحبوباته فى الديوان مرارا بمثل قوله (١):

قالت وقد نالها للبين أوجعه ... والبين صعب على الأحباب موقعه

اجعل يديك على قلبى فقد ضعفت ... قواه عن حمل ما فيه وأضلعه

كأننى يوم ولّت-حسرة وأسى- ... غريق بحر يرى الشاطى ويمنعه

فقد ارتفع نبضها وعلت ضرباته، وتحس كأنما لم يعد فى قلبها فضل من قوة تستطيع به أن تحتمل صدمة الفراق المروعة، وتميم يبادلها نفس المشاعر ونفس الآلام والأوجاع، وإنه ليذوب حسرة وأسى لفراقها، ولا يستطيع أن ينقذها وينقذ نفسه من هذه المحنة، وكأنه غريق تلعب به الأمواج وهو يرى الشاطئ ولا يستطيع وصولا إليه. وعلى الرغم من أنه كان أميرا وكان ابن الخليفة المعز تلقانا عنده مشاعر الحب الحقيقية التى ترتفع عن أدران الحسّ، ومن طريف قوله فى بعض غزله (٢):

قلت اسمحى لى بتقبيل أعيش به ... قالت: وأىّ محبّ قبّل القمرا

ومرّ بنا فى ترجمة ظافر الحداد أن له غزلا رقيقا يطير عن الفم بخفة وأنشدنا له قطعتين، واشتهر بقصيدة له ذالية أو اختار أن تكون ذالية ليدل على قدرته فى النظم على هذه القافية التى يظن أنها تستصعب على الشعراء، وهى قصيدة غزلية، تجرى على هذا النمط (٣):

لو كان بالصبر الجميل ملاذه ... ما سحّ وابل دمعه ورذاذه

من كان يرغب فى السلامة فليكن ... أبدا من الحدق المراض عياذه

لا تخدعنّك بالفتور فإنّه ... نظر يضرّ بقلبك استلذاذه

يا أيها الرّشا الذى من طرفه ... سهم إلى حبّ القلوب نفاذه

درّ يلوح بفيك من نظّامه ... خمر يجول عليه من نبّاذه (٤)

وقناة ذاك القدّ كيف تقوّمت ... وسنان ذاك الّلحظ ما فولاذه

رفقا بجسمك لا يذوب وإننى ... أخشى بأن يجفو عليه لاذه (٥)


(١) الديوان ص ٢٦٠.
(٢) الديوان ص ١٥٢.
(٣) ابن خلكان ٢/ ٥٤٠ والنجوم الزاهرة ٥/ ٣٧٦.
(٤) النباذ: صانع النبيذ
(٥) اللاذ: ثوب من حرير

<<  <  ج: ص:  >  >>