للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحاجة. وهذا الجانب الفكه فى ابن دانيال استطاع أن ينفذ منه إلى صنع ثلاث تمثيليات أو كما يسميها بابات لتمثّل على مسرح خيال الظل فى أيامه، وهو مسرح دمّى متحركة متحاورة، واسم أولاها «طيف الخيال» والثانية «عجيب وغريب» والثالثة «متيم». وتصور الأولى الحياة الاجتماعية لعهد الظاهر بيبرس. والثانية تصور سوقا مصرية ومن فيها من أخلاط الناس والأمم وقد جمدت ألسنتهم عند لهجاتهم الوطنية فى بلدانهم وصور معينة من كلامهم تثير الضحك فى النظارة. وتصور الثالثة الحيل وخاصة حيل المحبين مع صور مضحكة من عراك الديكة ونطاح الكباش والثيران.

وأبدع المسرحيات الثلاث وأطرفها «طيف الخيال» وهى مسرحية شعرية نثرية ونثرها مسجوع كنثر المقامات وليس فيها لفظ غريب، وكأنما حاول ابن دانيال أن يجعلها قريبة قربا شديدا إلى عامية أهل القاهرة لزمنه، وهو يفتتحها بتقديمه لطيف الخيال الأحدب الموصلى متغنيا بفضله وجدّه وهزله، ويسلّم سلام القادم ويرد عليه الريس السلام مادحا له ولحدبته بمثل قوله:

قسما بحسن قوامك الفتّان ... يا أوحد الأمراء فى الحدبان

يا مشبه الغصن الرطيب إذا انثنى ... من حدبتيه يميس بالرمّان

يا مخجلا شكل الهلال بقدّه ... حاشاك أن تعزرى إلى نقصان

ويستمر فى ثحسين حدبته، فهو صاحب ردفين، وهو جمل جليل السنّام، بل هو كالعود الأحدب المطرب. ويرد طيف الخيال عليه: لا فضّ الله فاك، ولا أقال من سيف الحسبة قفاك.

وكان الحاسب رجل شرطة وقانون. فهو يتمنى أن يظل سيفه مسلطا على قفاه. ويغنى طيف الخيال بأبيات يستقبل بها النظارة من الحاضرين، ويذكر أنه جاء مصر من الموصل زمن الظاهر بيبرس حين أمر فى سنة ٦٦٦ بتحريم المنكرات وإغلاق الحانات وإعدام أحد أصحابها المسمى ابن الكازرونى بعد تجريسه فى الطرقات وفى عنقه دنّ نبيذ أو نباذية. وإلى ذلك يشير طيف الخيال، إذ يقول ابن دانيال على لسانه:

لقد كان حدّ السّكر من قبل صلبه ... خفيف الأذى إذ كان فى شرعنا جلدا

فلما بدا المصلوب قلت لصاحبى ... ألا تب فإنّ الحدّ قد جاوز الحدّا

والتورية واضحة فى كلمة «جاوز الحد» إذ لا يريد المعنى المتبادر من مجاوزة الشئ لحده

<<  <  ج: ص:  >  >>