للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كيف أرجىّ الحياة بعدهم ... وقد مضى مؤنسىّ فانطلقوا

قوم شحاح على اعتقادهم ... بالفوز مما يخاف قد وثقوا

وعلى قبس من زهد الخوارج فى الدنيا ومتاعها الزائل وما جاء فى القرآن الكريم من ذم الشحيح الذى يجمع مالا ويدّخره دون أن ينفقه على المحتاجين والمساكين، وما جاء فيه أيضا من أن كل إنسان مسئول يوم القيامة عما قدمت يداه يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم تشهد عليه جوارحه بما عمل، فمن عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، يقول:

كلّ حىّ مستكمل عدّة العم‍ ... ر ومود إذا انقضى عدده (١)

عجبا ما عجبت للجامع الما ... ل يباهى به ويرتفده (٢)

ويضيع الذى يصيّره الل‍ ... هـ إليه فليس يعتقده

يوم لا ينفع المخوّل ذا الثر ... وة خلاّنه ولا ولده (٣)

يوم يؤتى به وخصماه وسط ال‍ ... جنّ والإنس رجله ويده

خاشع الصّوت ليس ينفعه ث‍ ... مّ أمانيهّ ولا لدده

وكل من يقرأ شعر الطرماح يلاحظ أنه لا يجرى على وتيرة لغوية واحدة، فهو حين يصدر عن عقيدته، أو يمدح أو يهجو لا يغرب على سامعيه، ولكن حين يصف الصحراء يحاول بكل ما يستطيع أن يجمع أوابد الألفاظ ووحشيّها، وهو جانب دفعه إليه تعليمه الناشئة، وكأنما شعره ينقسم قسمين: قسما أراد به أن يدور فى أفواه الناس، وقسما أراد به أن يدور فى أفواه المتأدبين حتى يقفوا على الألفاظ اللغوية الغريبة، فهو قسم تعليمى محض. ويصوّر اللغويون مدى إغرابه فى شعره، فيقولون إن ابن الأعرابى العالم اللغوى المشهور سئل عن ثمانى عشرة كلمة آبدة فى أشعاره، فلم يستطع تفسيرها، ومرّ بنا فى غير هذا الموضع أن حسّه اللغوى لم يكن دقيقا وأنه كان مشغوفا بإدخال الألفاظ النبطية فى كلامه. وقد مات حوالى سنة ١٠٥ للهجرة.


(١) مود: ميت.
(٢) يرتفده: يكتسبه.
(٣) المخول: الثرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>