للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد زادنى حبّا لنفسى أننى ... بغيض إلى كل امرئ غير طائل (١)

وأنى شقىّ باللئام ولا ترى ... شقيّا بهم إلا كريم الشمائل

والطرماح بذلك كله يبتعد عن روح الخارجى الذى ازدرى الدنيا وكل ما فيها من منازعات قبلية ومفاخرات شخصية فهو يعيش معيشة الناس من حوله، ويضطرب فيما يضطربون فيه من خصومات ومن طلب للدنيا، ولعله من أجل ذلك أكثر التنقل فى العراق وفى فارس وخراسان. ومع ذلك فقد كان يستشعر عقيدته أحيانا، حتى ليتمنى الخروج، يقول:

وإنى لمقتاد جوادى وقاذف ... به وبنفسى العام إحدى المقاذف

لأكسب مالا أو أؤول إلى غنى ... من الله يكفينى عدات الخلائف (٢)

فياربّ إن حانت وفاتى فلا تكن ... على شرجع يعلى بخضر المطارف (٣)

ولكن أحن يومى سعيدا بعصبة ... يصابون فى فجّ من الأرض خائف

فوارس من شيبان ألّف بينهم ... تقى الله نزّالون عند التزاحف

إذا فارقوا دنياهم فارقوا الأذى ... وصاروا إلى موعود ما فى المصاحف

فهو يسأل ربه أن يموت فى ميدان الحرب مستشهدا، غير أنه يسوق فى تضاعيف أبياته ما يدل على أنه لم يكن خالص النية فى أمنيته، إذ نراه فى البيت الثانى يفكر فى الدنيا والمال، فهو يحارب إما ليقتل شهيدا وإما ليصبح غنيّا مثريا. ومن طريف وصفه للخوارج قوله:

لله درّ الشّراة إنهم ... إذا الكرى مال بالطّلا أرقوا (٤)

يرجّعون الحنين آونة ... وإن علا ساعة بهم شهقوا

خوفا تبيت القلوب واجفة ... تكاد عنها الصّدور تنفلق


(١) غير طائل: خسيس.
(٢) عدات: جمع عدة ويريد بها الصلة. الخلائف: جمع خليفة.
(٣) الشرجع: النعش.
(٤) الطلى: الأعناق، مفردها طلية.

<<  <  ج: ص:  >  >>