أعدّ لها وأشعلها رجل فارسى من ورزنين: قرية من قرى الرّىّ بإيران، زعم فى أول الأمر أنه من بنى عبد القيس سكان البحرين، وفيهم أخذ ينشر آراءه الثورية ضد الدولة لأوائل العقد السادس من القرن الثالث الهجرى، فتبعه نفر قليل. وأحسّ كأن البحرين لن تتبعه، فتركها إلى البصرة لسنة ٢٥٤ وأخذ ينشر فيها آراءه، وارتفع أمره إلى الوالى فطلبه، غير أنه أسرع بالخروج منها إلى بغداد، حتى إذا استدار العام عاد بفكرة جديدة هى أن يثير الزنج الذين كانوا يكسحون السباخ هناك، وكان يسخّرهم كبار الملاك الإقطاعيين فى هذا الكسح وفى زرع أرضهم لقاء أجر زهيد لا يسدّ ما يحتاجون إليه من الغذاء البسيط والكساء الخشن.
ومضى يثيرهم ويتجمعون إليه، ورأى إحكاما لدعوته أن يسبغ عليها صبغة دينية، فزعم أنه يوحى إليه وأن العناية الإلهية بعثته اختارته لإنقاذ الزنج من جور الملاك الظالمين، وأشاع أن اسمه على بن محمد ووصل نسبه بإمام الزيدية: زيد بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب، حتى يثبت حقه الشرعى فى الثورة ضد الخلافة العبّاسية (١)، وهو نسب مكذوب إذ هو فارسى كما قدمنا، وحقّا نجد ابن المعتز ينعته فى الأرجوزة التى تمثلنا ببعض أبياتها فيما أسلفنا بأنه علوى إذ يقول عنه:
والعلوىّ قائد الفسّاق ... وبائع الأحرار فى الأسواق
ونؤمن بأن ابن المعتز تعمد ذلك حتى يلطّخ العلويين خصوم أسرته بعار هذا الرجل الذى لم يكن يرعى فى الأمة إلاّ ولا ذمة على نحو ما سيتضح عما قليل.
وكان لا يزال يردّد بأن العباسيين انغمسوا فى إثم الخمر والمجون والمعاصى، وأنه تجب حربهم حتى يتخلص الناس من شرورهم، وحتّى يردّ الأمر إلى نصابه وإلى مستحقيه العلويين من أمثاله المنتسبين إليهم زورا وبهتانا.
وكان الزنج يبلغون ألوفا، وكلهم يعملون فى كسح السباخ والزراعة، وكانوا يجلبون من شرقى إفريقيا، وسرعان ما التفوا حول هذا الثائر والتفّ معهم كثير من عبيد الفرات بحيث غدت الثورة كأنها ثورة العبيد على السادة الجائرين، وثبّت
(١) طبرى ٩/ ٤١٠ ومروج الذهب ٤/ ١٠٨ والفخرى ص ١٨٦ والنجوم الزاهرة ٣/ ٢١ ودراسات فى العصور العباسية المتأخرة لعبد العزيز الدورى (طبع بغداد) ص ٧٩.