للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم، غير أنه لم يعن بهم، وإن كان قد ذكر أبا الحسن التهامى، وسنترجم له فى غير هذا الموضع، وجاء عنده ذكر شعراء قليلين مغمورين خرجوا من الجزيرة إلى العراق أو إلى إيران مثل ابن أبى مرّة المكى وينشد له قوله فى أبى الفتوح أمير مكة الآتى ذكره (١):

يا سيّدا فديته بروحى ... خوّلك الله أبا الفتوح

ملك سليمان وعمر نوح

وإذا كان الثعالبى قصرّ فى الترجمة لشعراء الجزيرة العربية لعصره فإن أبا الحسن الباخرزى المتوفى سنة ٤٦٧ للهجرة عنى بهم فى فاتحة كتابه «دمية القصر وعصرة أهل العصر» إذ ترجم لطائفة كبيرة منهم، مقدما لهم بقوله:

«إن أحسن أبيات الأشعار ما طلعت من أبيات الأشعار (٢)، ورعت مع الظّباء الشّيح، وتزوّدت مع الضّباب (٣) الريح، مستغنية بحسنها عن التصنع والتعمل، حلوة إذا ذاقها الناظر بحسن التأمل. . وقد وقع لى من أشعار هذه الطبقة ما هو أعذب من الماء الزّلال، وأرقّ من الشّمول صفّقت بالشمال».

وأول ما يلاحظ على مجموعة الباخرزى من الشعراء أنهم من مدن وقبائل شتى فى الجزيرة العربية، فمنهم المكى والمدنى والطائفى الثقفى واليمنى، ومنهم العامرى والأسدى والبكرى والطائى والغسّانى والرّبعى والشيبانى والهمدانى. وهم بذلك يمثلون الجزيرة فى جميع أنحائها غربا وشرقا ووسطا وشمالا وجنوبا. وفى ذلك ما يؤكد أن الفصحى كانت لا تزال مسيطرة على الجزيرة حتى منتصف القرن الخامس الهجرى، ولا تزال حية ناضرة على ألسنة العرب فى نجد والحجاز واليمن، كما توضح ذلك تراجم الباخرزى وما ساقه لأصحابها من أشعار، وهو لم يدخل الجزيرة إذ لم يمد رحلاته إلى ما وراء البصرة وبغداد، ومنهم من لقيه فى هاتين المدينتين أو فى مدينة الرّىّ حاضرة السلاجقة ووزيرهم العظيم نظام الملك الذى وفد عليه الشعراء من أنحاء الجزيرة العربية ليقدموا له مدائحهم. وجمهورهم لم يلقهم الباخرزى، وقد روى أخبارهم وأشعارهم عن بعض الأدباء المكيين والمدنيين الذين ذكروهم له أو عن بعض الأدباء الإيرانيين وخاصة أبا عامر الفضل بن إسماعيل التميمى الجرجانى، وهو تارة ينقل عنه مشافهة وتارة ثانية ينقل عن كتاب له يسمى «قلائد الشرف». وأول من ترجم له أبو الفتوح (٤) الحسن بن جعفر الحسنى أمير مكة المتوفى سنة


(١) تتمة اليتيمة للثعالبى ١/ ٨٣.
(٢) أبيات الأشعار هنا يقصد بها الباخرزى الخيام المتخذة من أوبار الإبل رمزا للبادية.
(٣) الضب: من الزواحف فى نجد وذنبه كثير العقد.
(٤) انظره فى العقد الثمين ٤/ ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>