للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤٣٠ للهجرة، وقد أنشد له قوله:

وصلتنى الهموم وصل هواك ... وجفانى الرّقاد مثل جفاك

وحكى لى الرسول أنك غضبى ... يا كفى الله شرّ ما هو حاك

والبيتان طريفان فكرة وصورة، وقد نسبهما العماد فى الخريدة لابن أبى الفتوح شكر (١) الذى خلفه على إمارة مكة إلى أن توفى سنة ٤٥٣ وهو الذى حاك بعض بنى هلال قصة له بين أقاصيصهم الهلالية إذ زعموا، كما مرّ بنا، أنه تزوج الجازية بنت الحسن بن سرحان الهلالى، ثم حدثت بينه وبين عشيرتها مغاضبة، فاحتالوا عليه بحجة أنهم يريدونها لزيارة أبويها، وذهب معهم إلى نجوعهم فى نجد، فذكروا له أنهم سيخرجون إلى الصيد وهى معهم، ومضوا فى رحلتهم الكبرى إلى إفريقيا، على نحو ما هو معروف عن رحلة بنى هلال المشهورة، وظل لها بين جوانحه حب دفين، وظلت تكلف به إلى أن ماتت وهى هائمة بحبه عاشقة. ويبدو أن بنى هلال نسجوا هذه القصة بعد رحلتهم من الجزيرة، إذ يجرى فيها خلل الإعراب كما يجرى فى بقية أقاصيص الهلالية، وإنما نزعم هذا الزعم، لما رواه الباخرزى من أشعار النجديين فى هذا التاريخ، وهى تدل على أن الخلل الإعرابى لم يكن قد فشا على ألسنتهم حتى أواسط القرن الخامس الهجرى، وفى تقديرنا أن ذلك إنما حدث فى القرون التالية مباشرة. ومن طريف ما ينسب إلى الأمير شكر قوله (٢):

قوّض خيامك عن أرض تضام بها ... وجانب الذّلّ إن الذّلّ يجتنب

وارحل إذا كان فى الأوطان منقصة ... فالمندل الرّطب فى أوطانه حطب

والبيتان يصوران إباء العربى وشعوره بالكرامة ورفضه للضيم مهما احتمل فى هذا الرفض من العناء الشاق. ويترجم الباخرزى لشاعر يسمى المجاشعى ويلقبه بشاعر الحرمين، ويسوق له مدحة فى نظام الملك، ويتلوه بأبى الحسن العبشمى المكى ثم بأبى الفضل جعفر بن الحسين الشيبى، ويسوق له أبياتا سمعها منه فى مديح بعض الوزراء، كما يسوق له أبياتا فى النسيب، ويترجم لعم له يسمى جعفر بن يحيى الحكّاك وشعره متوسط. ويترجم الباخرزى بجانب هؤلاء الشعراء المكيين لشاعرين من المدينة: خزرجى وأوسى، ثم لشاعر من الطائف يسمى سليمان بن خضر، وينشد له غزلا رقيقا. ويضم إلى هؤلاء الشعراء الحجازيين شاعرا يمنيّا يسلكه فيهم هو على بن محمد الصّليحى مؤسس الدولة الصليحية الإسماعيلية باليمن، وكان فارسا، وله أشعار جيدة فى تصوير فروسيته وفتكه بأعدائه فى القتال من مثل قوله (٣).


(١) الخريدة (قسم شعراء الشام) نشر المجمع العلمى العربى بدمشق ٣/ ١٩ وانظر العقد الثمين ٥/ ١٥
(٢) العقد الثمين ٥/ ١٦. والمندل: عود الطيب.
(٣) الخريدة (قسم شعراء الشام) ٣/ ٢٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>