للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخذ ينقدها له قائلا: «تفاءلت لامرأة زفّت إلى زوجها بالوديعة، والوديعة مستردّة. وقولك من يمينك إلى شمالك أقبح، لأنك جعلت أباها اليمين وأمير المؤمنين الشمال، ولو قلت: بمنزلة شئ انتقل من حال إلى حال لكان أحسن. وكان خيرا من ذلك كله أن تقول:

«وأما الهدية فقد حسن موقعها منا، وجلّ خطرها عندنا، وهى وإن بعدت عنك بمنزلة ما قرب منك لتفقّدنا لها، وأنسنا بها، ولسرورها بما وردت عليه واغتباطها بما صارت إليه» لكان أحسن» (١).

وواضح ما حمل نقد عبيد الله بن سليمان إلى الشاب فى مطالع عمله بالدواوين من؟ ؟ ؟ قوى إلى العناية بصياغته ومعانيه وكأنه هو الذى حمله على أن يأخذ نفسه بتكلف شديد. ومعروف أن عبيد الله توفى سنة ٢٧٨، ولا نصل مع محمد بن جعفر إلى عصر المقتدر، حتى يصبح أكبر كاتب فى دواوينه، وحتى يعهد إليه بتولى ديوان الرسائل، ويأخذ حينئذ نفسه بالحرص على السجع فى كل ما يصدر عنه، على نحو ما يصوّر ذلك منشور وجّهه باسم الخليفة المقتدر إلى العمّال فى البلدان المختلقة ينوّه فيه بابن الفرات فى وزارته الثانية لسنة ٣٠٤، وفيه يقول (٢):

«لما لم يجد أمير المؤمنين غنى عنه، ولا للملك بدّا منه. وكان كتّاب الدواوين على اختلاف أقدارهم، وتفاوت ما بين أخطارهم مقرّين برياسته، معترفين بكفايته، متحاكمين إليه إذا اختلفوا واقفين عند غايته إذا استبقوا، مذعنين بأنه الحوّل القلّب، المحنّك المجرّب، العالم بدرّة المال كيف نحلب، ووجوهه كيف تطلب، انتضاه (٣) من غمده، فعاود ما عرف من حدّه، فنفّذ الأعمال كأن لم يغب عنها، ودبّر الأمور كأن لم يخل منها».

فالسجع أصبح ظاهرة عامة فى الرسائل الديوانية، ويبدو أن ابن مقلة وزير المقتدر والخلفاء من بعده كان يستخدمه، إن لم يكن دائما ففى الحين بعد الحين، وكان كاتبا بليغا، وفيه يقول الصولى: «ما رأيت وزيرا منذ توفّى القاسم بن عبيد الله


(١) معجم الأدباء ١٨/ ٩٨ وزهر الآداب ٢/ ٢٨٩.
(٢) معجم الأدباء ١٨/ ٩٧ وانظر رسالة أخرى له مسجوعة فى الهمدانى ص ٢٠.
(٣) انتضاه: سله.

<<  <  ج: ص:  >  >>