للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«سلّ سيفا سال المنون من لعابه، وسار الموت فى إهابه (١)، وتناوم غراره (٢) ملء جفنيه فما هجع، وتناوب (٣) للوثوب للمهج فما رجع، وتباكى على من قتل فجرت دموعه دماء، وتحرّق على من سلم فتوقّدت ضلوعه نارا وترقرقت مآقيه ماء».

وهى كلمات قصار ولكنها مليئة بالاستعارات والتشخيصات المتلاحقة، وفيها الجناس والطباق وكأنهما غير ملحوظين، لما تجريان فيه من سهولة اللفظ وعذوبته. وله فى وصف قدح أو كاس:

«تكوّن من جوهر مكنون، وتجسّد من هواء مظنون، واتّخذ خدرا لابنة العنب (٤)، وطاف به الساقى فأصبح منه فى راحة وهو فى تعب، قهقه عليه الإبريق فصدح، وطار منه شرار المدام فقيل: قدح».

والقطعة مثل سابقتها زاخرة بالاستعارات والصور الطريفة. مع جناسات وطباقات بديعة ومع جمال الجرس والمهارة فى انتخاب اللفظ، وقد ختمها بكلمة قدح والتورية واضحة، فهو لا يريد ما يتبادر من أنه يريد القدح الذى يصفه، إنما يريد الفعل الماضى قدح أى قدح الشرر وأذكاه من قولهم قدح النار من الزند.

ولابن فضل الله العمرى بجانب رسائله الديوانية رسائل شخصية قليلة وذكر له مترجموه نحو عشرة كتب، منها التعريف بالمصطلح الشريف الذى وصفناه. ومنها فواصل السمر فى فضائل آل عمر، ومنها صبابة المشتاق فى مجلد فى مدح النبى صلّى الله عليه وسلم. وأهم كتبه دون ريب كتابه «مسالك الأبصار» وقد نشر الجزء الأول منه وهو خاص بالديارات، وهو فى أكثر من عشرين مجلدا، وهو مقسوم إلى قسمين كبيرين: قسم للأرض وأقاليمها وبحارها وطرقها أو مسالكها، وقسم للممالك فى العالم الإسلامى وغيره وسكان المعمورة، وبه فصول طويلة عن الكتاب والشعراء فى العالم العربى بمختلف أقطاره، وعادة يضع مقدمة مسجوعة لكل كاتب وشاعر ثم يختار للكاتب نماذج من رسائله وللشاعر نماذج من شعره، وبه مقتبسات من كتب سقطت من يد الزمن، ومن خير ما احتفظ به تراجمه لشعراء صقلية، وكذلك معلوماته الجغرافية والتاريخية عنها. وبالكتاب مفاخرة طريفة بين المشرق والمغرب تمس حضارتيهما ومن كان بهما من أفذاذ العلماء والأدباء.


(١) إهابه: جلده.
(٢) غرار السيف: حده.
(٣) تناوب الأمر: قام به مرة بعد مرة.
(٤) الخدر: البيت. ابنة العنب: الخمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>