للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنفس قسّمت على جسمين، وروح فرّقت بين شخصين، فأما ألمها فقد مضى وأزعجنى، وأما برؤها فقد سرّها وأبهجنى».

ومهارته فى صياغة أسجاعه واضحة فعباراتها تتوازن وتتعادل تعادلا دقيقا، وكأن كل كلمة فى السجعة الثانية تعانق أختها فى السجعة الأولى فى عذوبة ونصاعة وسلاسة وطلاقة. ومن كتاب له فى تعزية:

«الخطب الحادث، فادح كارث (١)، كادت له القلوب أن تتبرّا من أضالعها، والعيون أن تتعوّض بدمائها من مدامعها، والضحى أن يدّرع (٢) جلباب الدّجنّة، والحوامل أن تجهض بما فى بطونها من الأجنّة. وإن المنية حوض كل الناس وارده، ومنهل كل الخليقة قاصده، لا يسلم منها ملك نافذ الأمر. . ولا فقير خامل الذكر».

وتحمل القطعة نفس الصياغة السالفة بكل ما تتسم به من اكتمال الإيقاع فى الألفاظ بين السجعات وحسن الانتخاب للألفاظ والكلمات.

وكان يعاصر الحسن بن زيد الشاعر ظافر الحداد الذى مرت ترجمته بين الشعراء، وكانت قد انعقدت صداقة بينه وبين أبى الصلت أمية بن عبد العزيز نزيل الإسكندرية، وكان قد بارحها إلى المهدية بتونس سنة ٥٠٦ ولم يصله من ظافر كتاب فأرسل إليه يعاتبه، ومن قوله يجيبه عن كتابه (٣):

«فضضت الكتاب عن رسالته التى يبهج قشيبها (٤)، ويضوع (٥) طيبها، ولا ينزف قليبها (٦)، فخلت أنى أختال أىّ اختيال فى حلل الشباب، وأذكر الأحباب، وأرشف الرّضاب (٧)، من الثنايا العذاب، بعد الصدّ والاجتناب:

ذكرت به عهدا كأن لم أفز به ... وعيشا كأنى كنت أقطعه وثبا

ثم نزهت ناظرى، وجلوت خاطرى، ببدائع ما تضمّنه الكتاب، من العتاب، حتى وددت أنى أجدّد كل يوم ذنبا، يوجب منه عتبا، كى أقطف منه مثل تلك الأزهار، وأجنى مثل تلك


(١) كارث: محزن.
(٢) يدرع: يلبس. الدجنة: الظلمة.
(٣) انظر الرسالة فى ديوان ظافر
(٤) قشيب: جديد
(٥) يضوع: يفوح
(٦) قليبها: معينها
(٧) الرضاب: الريق

<<  <  ج: ص:  >  >>