للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أوقدوا) عليكم نار الحرب، بتلك الأينق الجرب، فكسروا أكاسرتكم، وقصروا قياصرتكم، فسفكوا دماءهم، وأباحوا أحماءهم (١)، وأخمدوا نار صولتهم، ومحوا آثار دولتهم، وطهّروا الأرض المقدسة من أنجاسكم والمسجد الأقصى من أرجاسكم. ويحك بم آثرت (فضّلت) وبمن كاثرت (فخرت) أما استحييت مما انتحيت؟ هل كانت العرب إلا كنز عزّ وذخر فخر، وخبيئة ذخرها الله إلى الوقت المحتوم ليختار منها صفيّه، وميزّها ليميز منها حفيّه. يمشى أحدهم إلى الموت ثابتة وطأته، فسيحة خطوته، شديدة سطوته، لبقا بتصريف القناة بنانه، بصيرا بمهج الدارعين سنانه. . أليس شعاركم: الهرب، الهرب، هذه العرب. . وما تركوا من الأعاجم عاجما، ولا ناجما، وساروا يذبحون البرّ ذبحا، ويسبحون البحر سبحا، حتى طرقكم طارقهم (٢) فى هذا الطّرف، ورشقكم راشقهم فى هذا الهدف، وملكوا أرضكم بساحتيها، وأحاطوا بها من ناحيتيها، سلبوها بأقطارها وحلبوها من أشطارها».

ويطيل ابن من الله فى الفخر بدول العرب قبل الإسلام، وبشجاعتهم وفروسيتهم، وما يزال يتتبع مفاخر العجم عند ابن غرسية ناقضا لها حتى فى العلوم. وينوه بعلم العرب فى الفلك والطب وبراعتهم فى الغناء والموسيقى. ويضع له أمام عينيه فخر العرب برسولها محمد سيد ولد آدم الذى به بزّت الأمم، ويطلب إليه أن يتوب توبة تهديه وتنجيه. والرد الثالث الذى ساقه ابن بسام يذكر أنه اقتبسه من كتاب (٣) لابن عباس رد فيه على ابن غرسية، ولا يعرّفنا بشخصية ابن عباس هذا، وحديثه يدور على الهجاء المقذع ولا يخرج عما رأينا فى الرسالتين السالفتين من نقض مزاعم ابن غرسية نقضا يصيب قومه العجم فى الصميم.

ومثل هذه الردود فى الرد المفحم على رسالة الشعوبية لابن غرسية رسالة (٤) أبى يحيى ابن مسعدة، وهو يستهلها بهجاء شديد فابن غرسية غثيث (لا خير فيه) آبق وقاح لئيم الجدود. وبعد قرع صفاه، وصفع قفاه، ينتقل إلى الحديث عن دين العجم وأقانيمه الثلاثة وعقيدة التثليث وينكر أن يكون إبراهيم الخليل أبا للعجم أو تكون سارة زوجته أمّا لهم


(١) أحماء: جمع حمى.
(٢) تورية لطيفة عن طارق بن زياد فاتح الأندلس.
(٣) انظر الذخيرة ٣/ ٧٤٦.
(٤) راجع فى أبى يحيى بن مسعدة ورسالته المجموعة الثالثة من نوادر المخطوطات لعبد السلام هرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>