ضارعين إلى صاحبها عليه السلام أن يكون شفيعهم إلى غفران ربهم يوم القيامة، يوم تبيضّ وجوه وتسودّ وجوه. ومنذ أواخر عصر أمراء الطوائف تتكاثر الرسائل النبوية إذ أخذ الكتاب فى الأندلس يستشعرون محنة بلدهم وما يتهدّدها من الأخطار فبثوا شكواهم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فى رسائل تفيض بوجد ملتهب لزيارة قبره الشريف وبتوسل ضارع لشفاعته يوم الحشر الأكبر. وأخذوا-مع تقدم الزمن-يضمّنون رسائلهم بعض الأحداث فى الأندلس آملين من الرسول الغوث والعون على أعدائهم وأن تدور عليهم الدوائر. ومن طريف ما نقرأ فى تلك الرسائل رسالة لأبى القاسم بن الجد المتوفى سنة ٥١٥ ومرت بنا ترجمته، وله رسالة نبوية كتبها على لسان صديق صدر من بيت الله الحرام وزيارة قبر رسوله عليه السلام، وقد امتلأ قلبه شوقا إلى العودة لزيارة الروضة الشريفة، مؤملا فى شفاعته، والحشر فى عداد زمرته وجماعته، وفيها يقول ابن الجد:(١)
«صلوات الله على خاتم الرّسل وناهج السّبل، وناسخ جميع الملل. . وعليه من لطائف التسليم ما يربى على عدد النجوم، ويزرى بالمسك المختوم، ويقتضى باتصاله رضا الحىّ القيوم. . ولما صدرت يا رسول الله عن زيارتك الكريمة، وقد ملأت هيبتك ومحبتك أرجاء فكرى، وفضاء صدرى، وغشينى من نور برهانك ما بهر لبّى، وعمر قلبى، لحقنى من الأسف لبعد مزارك، والحنين إلى شرف جوارك، ما أودع جوانحى التهابا، وأوسع جوارحى اضطرابا، وأشعر أملى عودا إلى محلّك المعظّم وإيابا، وكيف لا أحنّ إلى قربك، وأتهالك فى حبّك، وأعفّر خدّى فى مقدّس تربك، وبك اقتديت فاهتديت، وكيف لا يتحرّك نحوك نزاعى، ويتأكّد انقطاعى، وبك استشفاعى، وإليك مفزعى يوم الداعى، فلا تنس لى-يا رسول الله-عياذى بك ولياذى، واذكرنى فى اليوم العظيم المشهود، عند حوضك المورود، وظلّك الممدود، ومقامك المحمود».
والرسالة تصور هذا الشوق المضطرم فى قلب كل مسلم ليسعد بزيارة الروضة الشريفة ويتملّى بنورها الباهر. وما إن يعود زائره إلى موطنه حتى يضطرم شوقه من جديد لينعم بزيارته آملا أن يكون له حظ فى شفاعة صفىّ الرحمن وحبيبه المصطفى من خلقه. ويذكر ابن خير الإشبيلى فى فهرسته أن لابن السيد البطليوسى عبد الله بن محمد المتوفى سنة ٥٢١ رسالة كتب بها إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، وبالمثل ذكر ابن خير أن لابن أبى الخصال المتوفى سنة ٥٤٠ - ومرت ترجمته-رسالة كتب بها متوسلا إلى قبر الرسول
(١) انظر الرسالة بترجمة ابن الجد فى الذخيرة ٢/ ٢٨٦.