للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعها مقطوعة شعرية، كتبها بلسان أحد الزمنى (المقعدين) آملا فى شفائه، فلما وضعت عند القبر الشريف برئ المقعد بإذن الله وببركة رسوله الأمين. وتظل هذه الرسائل النبوية تكتب من الأندلس وترسل إلى الروضة النبوية طوال الحقب الأندلسية التالية، ويلقانا من كتّاب هذه الرسائل ابن الجنان وسنخصه عما قليل بترجمة. وكان يعاصره أبو الحسن (١) الجيانى على بن محمد الأنصارى الذى تولى القضاء ببعض نواحى إشبيلية، واستكتبه آخر أمراء الموحدين: الرشيد (٦٢٩ - ٦٤٠ هـ‍) وظل يتولى الأعمال السلطانية حتى توفى سنة ٦٦٣ للهجرة، وله رسالة بارعة كتب بها إلى الروضة الشريفة وفيها يقول (٢):

«إلى سيّد المرسلين، ورسول رب العالمين، الذى جعلت له الأرض مسجدا وطهورا، وكان-ولم يزل-منتقلا من صلب آدم نورا. . المصطفى المختار الذى انشقّ له القمر، ودان له الأسود والأحمر، ولاح النور الإلهى من قسماته، وعرفه الكهنة والأحبار قبل كونه بسماته، بشرى الكليم (٣) الميمون النقيبة (٤) والطليعة، المشير إلى الأصنام فخرّت صريعة. . من العبد المذنب الذى ثبّطته الأقدار، وعاقه الفلك المدار، عن الحلول بمشاهدك الكريمة، والمثول فى معاهدك التى هى لصادى الأمل أنقع ديمة (٥). . كتبته، وأنا أتنفّس الصّعداء (٦)، وأناجى بل أغبط أهل زيارتك السعداء، وللزّفرات تصعّد وانحدار، وللعبرات تردّد فى الجفن وانهمار، وكيف ألذّ حياة ولم أعبر لزيارتك سبسبا (٧) ولا لجّة، ولا أقمت على دعوى الشوق إليك برهانا ولا حجّة، لألثم مواطئ سعى فيها بالوحى الرّوح الأمين، وتخطّى عرصاتها (٨) سيد المرسلين كيف لى أن أمرّغ الخدّ فى عبير ثراها، أو أبلغ الجدّ (٩) الأعظم عند ما أراها، اللهم يا ربّ أنجد عبدك المسئ وأعنه على أداء الفريضة، وطيّب قلبه بانتشاق ريح طيبة (١٠)، ولا تجعل أمله فيك ورجاءه فى كرمك إلى إخفاق وخيبة»

والرسالة طويلة، وقد ذكر فيها أبو الحسن الجيانى طائفة من المعجزات النبوية. ويقف


(١) انظر فى ترجمة أبى الحسن الجيانى الذيل والتكملة للمراكشى (تحقيق د. إحسان عباس) ٥/ ٢٨٧ وما بعدها.
(٢) انظر الرسالة عند المراكشى ٥/ ٢٨٨.
(٣) الكليم: موسى عليه السلام.
(٤) النقيبة: الطبع والسجية.
(٥) صادى: عطشان. ديمة: سحابة هاطلة.
(٦) الصعداء: المشقة. يتنفس الصعداء: يتنفس نفسا ممتدا.
(٧) السبسب: الفلاة.
(٨) عرصاتها: ساحاتها.
(٩) الجد: الحظ.
(١٠) طيبة: المدينة.

<<  <  ج: ص:  >  >>