للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على باب الروضة الشريفة مسترحما لذنبه شفيع المذنبين يوم الهول الأكبر الذى تغذى بحبه طفلا وشابا وكهلا، وإنه ليأمل فى اللقاء بحبيبه، وفى فؤاده لوعة لا تنطفئ وفى عينيه دموع لا تجف، وإنه ليتمنى لو طيّب وجناته بتراب طيبة وتحقق له هذا الأمل العظيم. ويدعو ربه ضارعا أن ينيله أداء فريضة الحج وزيارة الرسول الكريم حتى يفوز بسعادة ما تماثلها سعادة.

وتسقط حينئذ مدن الأندلس العظمى: قرطبة وإشبيلية وبلنسية ومرسية وطليطلة وبطليوس فى حجر حملة الصليب الشماليين، ونرى هذه الرسائل النبوية الموجهة إلى الروضة الشريفة تضم إلى تصوير التعلق بالرسول والشغف بزيارته والتوسل إلى شفاعته تضرعا إليه كى ينصر المسلمين فى الأندلس على أعدائهم الشماليين، ومن خير ما يمثل هذه الرسائل رسالتان (١) للسان الدين بن الخطيب كتبهما إلى الرسول عليه السلام على لسانى سلطانى الأندلس أبى الحجاج يوسف الغالب بالله (٧٣٣ - ٧٥٥ هـ‍) وابنه محمد الغنى بالله (٧٥٥ - ٧٩٣ هـ‍) وربما كانت رسالته الأولى أروع من أختها الثانية، وقد افتتحها بقصيدة بديعة، يصور فيها الشوق الذى أضنى أبا الحجاج لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويفخر بأن جده سعد بن عبادة كان من أنصار دينه الحنيف. ويعتذر بتقصيره عن زيارته باشتغاله بجهاد الجلالقة والقشتاليين حملة الصليب الشماليين، وتلى ذلك الرسالة، وهى طويلة، ويفتتحها لسان الدين على لسان سلطانه أبى الحجاج بقوله:

«إلى رسول الحقّ، إلى كافّة الخلق، وغمام الرحمة الصادق البرق، والحائز فى ميدان اصطفاء الرحمن قصب السّبق، خاتم الأنبياء، وإمام ملائكة السماء، ومن وجبت له النبوة وآدم بين الطّين والماء. . نبىّ الهدى الذى ختم به الرسالة ربّه، وجرى فى النفوس مجرى الأنفاس حبّه، الشفيع المشفّع يوم العرض، المحمود فى ملأ السماء والأرض. .

فائدة الكون ومعناه، وسرّ الوجود الذى بهر سناه، من الأنوار من عنصر نوره مستمدّة، والآثار تخلق (٢) وآثاره مستجدّة، من طوى بساط الوحى لفقده، وسدّ باب الرسالة والنبوة من بعده».

وهذه القطعة الرائعة فى تمجيد الرسول يغمسها ابن الخطيب فى فكرة الحقيقة المحمدية


(١) انظر فى الرسالتين الإحاطة (طبعة عنان) ٤/ ٥٢٧ وما بعدها. وراجع فى الرسالة الأولى صبح الأعشى ١٤/ ٤٦٩.
(٢) تخلق: تبلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>