أشهى إلى الشّرب يوم جلوتها ... من الفتاة الكريمة النّسب
فقد تجلّت ورقّ جوهرها ... حتى تبدّت فى منظر عجب
كأنها فى زجاجها قبس ... تذكو ضياء فى عين مرتقب
فهى فرحة الحياة ونعيمها، بل هى قبس سماوى يهبط بردا وسلاما على قلوب المحزونين، فيزيل ما فيها من أحزان وهموم، ويردها إلى نشوة الفرح والمسرة.
واقرأ أيضا هذه الخمرية:
علّلانى واسقيانى ... من شراب أصبهانى
من شراب الشيخ كسرى ... أو شراب القيروان
إن فى الكأس لمسكا ... أو بكفّى من سقانى
أو لقد غودر فيها ... حين صبّت فى الدّنان
كلّلانى توّجانى ... وبشعرى غنّيانى
إنما الكأس ربيع ... يتعاطى بالبنان
وحميّا الكأس دبّت ... بين رجلى ولسانى
وهى تجرى أيضا فى نطاق الفرحة العميقة بالخمر، بل لعلها أقوى من سابقتها تعبيرا عن فرحته بها، فهى فى رأيه عطر الوجود بل ربيعه، وهو يتلظى بنشوتها التى تسرى فى جسده من فرعه إلى قدمه. وهو بحق يعدّ رائد العباسيين من أمثال أبى نواس فى هذا الفن من فنون الشعر، ولاحظ ذلك النقاد قديما فقال أبو الفرج:«وللوليد فى ذكر الخمر وصفتها أشعار كثيرة، قد أخذها الشعراء فأدخلوها فى أشعارهم، وسلخوا معانيها، وأبو نواس خاصة، فإنه سلخ معانيه كلها وجعلها فى شعره».
ولم تستتم الخمرية عنده وحدتها الموضوعية والمعنوية وهذا الحب الذى يجعلها كاللهب المندلع فحسب، فإنها استتمت عنده أيضا التفاعل الحميم بين المعانى والألفاظ، بل بين المعانى والإيقاعات إذ كان عازفا محسنا، يحسن اللعب على أوتار العيدان والتوقيع على الطبول والدفوف، وله أصوات