للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبغى رضاك بطاعة مقرونة ... عندى بطاعة ربّى القدّوس

فإذا زللت وجدت حلمك ضيّقا ... عن زلّتى أبدا لفرط نحوسى

يا سيّدى ما هكذا حكم النّهى ... حقّ الرئيس الرفق بالمرءوس

وإذا رضيت لى الهوان رضيته ... وجعلت ثوب الذل خير لبوس

وخديجة تعاتب أخاها عتابا رقيقا فهو أخوها وسيدها ورئيسها وتشكو من حظها السيئ معه، مع أنها تبغى رضاه وتطيعه طاعتها لربها القدوس، فإذا ودّت شاعرا وجدت حلمه لا يسع ودّها ولا يغفره لها لفرط نحوسها، وتستعطفه فليس هذا حكم العقل ولا حق المرءوس على الرئيس من الرفق، وتحاول أن تميل قلبه إليها، فإذا كان قد رضى لها الهوان رضيته ولم تخلع عنها ثوب الذل يوما. والقطعة رقيقة منتهى الرقة. وخديجة بجانب زينب التيجانية الشاعرة التى مر ذكرها فى الحديث عن الغزل رمزان قويان لمشاركة نساء القيروان وتونس فى الحركة الأدبية بالعصور الماضية. ويقول ابن رشيق معاتبا (١):

أجدّك لم أجد للصبر بابا ... فتدخله على سعة وضيق

وإن أصبر فعن إفراط جهد ... وإن أقلق فحسبك من قلوق

سأعرض عنك إعراضا جميلا ... وأبدى صفحة الوجه الطّليق

ولا ألقاك إلا عن تلاق ... بعيد العهد بالذكرى سحيق

فقد أعنته صديقه حتى لم يعد يجد للصبر بابا، ومع ذلك إن استطاع يوما الصبر فعن فرط جهد، وحرى به أن يقلق أشد القلق، ويقول له سأعرض عنك إعراضا جميلا، وسألقاك بوجه بشوش حين يتصادف اللقاء، وقد بعد العهد بالذكرى بعدا شديدا. ويقول على الحصرى معاتبا بعض خلاّنه (٢):

برمت بما ألقاه ممن أوامق ... وأوذيت حتى لا أرى من أصادق (٣)

إذا ما امرؤ أصفيته الودّ واثقا ... بخلّته لم تصف منه الخلائق (٤)

فيا ليت شعرى هل إلى الناس كلهم ... أنا مذنب أم ليس فيهم موافق

فلا أنا مسرور بمن هو واصلى ... حذارا ولا آسى على من أفارق

وإنّي لمن يبغى انتقاصى لقامع ... وإنّي لمن يبغى ودادى لوامق


(١) الأنموذج ص ٤٤١.
(٢) المجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ١٦٠.
(٣) أوامق: أتبادل معه الود.
(٤) خلته: صداقته.

<<  <  ج: ص:  >  >>