للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن تردّ خطوبها وكوارثها عنه وإن فلولها وشررها ليتضحان فى كبده، وإن كثيرا من الأحداث لينزل به مما تكاد يتشقق له الصخر الصلب. ويقول ابن سعيد الحجرىّ فى العهد الحسينى المتوفى سنة ١٧٨٥ للميلاد (١):

يطول علىّ الليل حتى كأنما ... ليالىّ من فرط الجوى ليلة الحشر

ويزعجنى الإصباح حتى كأنما ... نهارى سيف سلّ من حيث لا أدرى

خليلىّ إن الدهر أبدى إساءتى ... وأظهر ما قد كان أضمر من مكر

وما ضرّ مثلى أن تلظّى بناره ... وهل ضرّ إبريزا تلظّيه بالجمر

فليله يطول عليه من فرط الوجد حتى كأنه ليلة الحشر، ويزعجه الصباح حتى كأنما سيف نهاره سلّ عليه من حيث لا يدرى. ويخاطب صاحبيه، فالدهر قد أظهر ما كان يضمر من مكر وأساء إليه إساءة بالغة، ويتماسك، ويجمع إرادته، ويعلن أنه لن يضره التلظى بناره، وهل يضر الذهب الخالص التلظى بالجمر ولهيبه؟ !

وعلى نحو ما أكثر القيروانيون والتونسيون من الشكوى سواء من الدهر أو من الناس أكثروا من العتاب وما قد يجر إليه من الاستعطاف، وهما بابان قديمان فى الشعر العربى، ومن طريف ما للقزاز من عتاب لأحد أصدقائه وكان قد أولم وليمة فى ختان لابنه وابن أخيه ولم يدعه سهوا (٢):

وا حسرتا مات أترابى وأقرانى ... وشتّت الدهر أصحابى وأخدانى

وغيّرت غير الأيام خالصتى ... والمنتضى الحرّ من أهلى وإخوانى

وصار من كنت فى السّراء أذكره ... بل لست أنساه فى الضّرّاء ينسانى

وهو يتحسر على أصدقائه جميعا، إذ غيّرت الحوادث أخلصهم وأصفاهم وأعزهم، وصار من كان يذكره فى السراء ولا ينساه فى الضرّاء ينساه كأن لم يكن بينهم ودّ ولا صداقة. ومن طريف ما نقرؤه من عتاب فى عصر الدولة الصنهاجية عتاب خديجة بنت أحمد بن كلثوم المعافرى لأخيها، وكانت شاعرة مجيدة وأعجبت بشاعر أندلسى نزل بديارها، وشبّب بها، فغار لذلك إخوتها فكتبت إلى كبيرهم (٣):

أأخى الكبير وسيدى ورئيسى ... ما بال حظّى منك حظّ نحيس


(١) المجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ٢٥٦.
(٢) الأنموذج ص ٣٦٨.
(٣) الأنموذج ص ١٢٤ والخريدة ١/ ٣٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>