للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقلّب فى الدّجى طرفا كليلا ... إذا جيب الظلام علىّ زرّا

ولو نشر الذى أطوى عليه ... على من تحتويه الأرض طرّا

أصمّ مسامع الدنيا عويلا ... وهزّ جوانح الأيام ذعرا

وهو يشكو شكوى مرة من صروف الدهر وكيف أنها تنظر إليه غاضبة كأن لها عنده ثأرا وما تزال النوائب تنزل به وما تزال دموعه لا تجفّ أبدا، وقد تصدّع قلبه، ولا يبرأ من صدوعه أبدا، وأفّ لليل، فإنه لا يزال مسهدا فيه كلما زرّ عليه رداء الظلام، ويقول إن ما يطوى عليه من الهموم لو وزع على جميع من تحتويهم الأرض من الأنام لأصموا مسامع الدنيا عويلا وأنينا ولهزّوا ضلوع الأيام ذعرا وفزعا ما بعده فزع. ويقول تميم بن المعز شاكيا من الزمان وأرزائه (١):

وذى عجب من طول صبرى على الذى ... ألاقى من الأرزاء وهو جليل

يقولون ما تشكو فقلت متى شكا ... شبا السّيف عضب الشّفرتين صقيل (٢)

وإن امرءا يشكو إلى غير نافع ... ويسخو بما فى نفسه لجهول

عذابى أن أشكو إلى الناس أننى ... عليل ومن أشكو إليه عليل

وهو يقول إن الناس يتعجبون من طول صبرى على ما يصيبنى من الرزايا والمصائب العظيمة، ويسألوننى ممّ تشكو، وأجبتهم هل يشكو حد السيف القاطع، ولمن أشكو؟ إن من يشكو إلى من لا يستطيع نفعه ويسرّ إليه بما فى نفسه دون فائدة لجهول بالناس وحقائقهم، وإنه ليعذبنى أن أشكو إلى الناس أننى عليل ومن أشكو إليه مثلى عليل ويقول ابن خلدون فى شكوى الزمان (٣):

إلى م مقامى حيث لم ترد العلا ... مرادى ولم تعط القياد ذلول

ويذهب لى ما بين يأس ومطمع ... زمان بنيل المعلوات بخيل (٤)

أما للّيالى أن تردّ خطوبها ... ففى كبدى من وقعهنّ فلول

يروعنى عن صرفها كلّ حادث ... تكاد له صمّ الصّلاد تزول (٥)

وحتى ابن خلدون يشكو من أن العلا لا تعطيه ما يريد وأنه لا يجد فى دنياه ذلولا تعطيه القيادة، ولا يزال بين يأس وطمع أو أمل، والزمان بخيل عليه بنيل المعالى، ويقول أما آن لليالى


(١) المجمل فى تاريخ الأدب التونسى ص ١٦٩.
(٢) شبا السيف: حدّ طرفه. عضب: قاطع.
(٣) نفس المصدر ص ٢١٨.
(٤) المعلوات: المعالى.
(٥) الصلاد جمع صلد: الصخرة الصلبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>