للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول الجاحظ: «إنه كان أذكر الناس لأول كلامه وأحفظهم لكل شئ سلف من منطقه (١)». ومنهم الأحنف بن قيس خطيب تميم الذى لا يدافع وصحار بن عيّاش العبدى، الذى قال له معاوية: «ما هذه البلاغة التى فيكم؟ قال: شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا (٢)» ومعاوية يشير إلى ما اشتهر به قومه بنو عبد القيس من الخطابة. ويذكر الجاحظ من خطبائهم بنو صوحان وكانوا شيعة، ومصقلة بن رقبة ورقبة بن مصقلة وكرب بن مصقلة (٣)، ويقول إنه كان لهم خطبة تسمى «العجوز» ومتى تكلموا فلا بد لهم منها أو من بعضها (٤) ويقابل آل رقبة وصوحان فى بنى عبد القيس آل الأهتم فى تميم، وعلى رأسهم عمرو بن الأهتم الذى قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم وقد استمع إلى بعض كلامه البليغ «إن من البيان لسحرأ» وكان أخوه عبد الله على مثاله خطيبا رائعا، وله مقامات ووفادات (٥)، ومثله ابناه صفوان وعبد الله، وخالد بن صفوان وشبيب بن شيبة بن عبد الله. ومن الخطباء الأبيناء عبد العزيز بن زرارة الكلابى، وهو الذى خاطب معاوية بقوله (٦):

«يا أمير المؤمنين لم أزل أستدلّ بالمعروف عليك، وأمتطى النهار إليك، فإذا ألوى (٧) بى الليل فقبض البصر وعفّى الأثر أقام بدنى وسافر أملى، والنفس تلوّم والاجتهاد يعذر، وإذ قد بلغتك فقطنى (٨)».

وواضح ما فى هذه الخطبة القصيرة من دقة التعبير وجمال التصوير. وعلى هذا النحو تمضى خطابة المحافل، إذ كان الخطيب يروّى فيها طويلا حتى يروق لفظه الخليفة ومن بحضرته، وربما جعلهم ذلك يسجعون فى خطابتهم حتى يخلبوا الألباب بحسن بيانهم. وبلغ من إحسانهم لمنطقهم أن كان شباب الكتّاب فى دواوين دمشق يحضرون مقاماتهم حريصين على استماعهم. وكانت هناك مواقف سياسية كثيرة تدعو هؤلاء الخطباء إلى المنافسة الحادة بينهم وأن يحاول كل منهم إحراز الغلبة على نحو ما كان من خطباء الوفود الذين تباروا يوم عقد معاوية


(١) البيان والتبيين ١/ ٣٣٩.
(٢) البيان والتبيين ١/ ٩٦.
(٣) نفس المصدر ١/ ٩٧.
(٤) البيان والتبيين ١/ ٣٤٨.
(٥) نفس المصدر ١/ ٣٥٥.
(٦) البيان والتبيين ٢/ ٧٥.
(٧) ألوى هنا: استأثر.
(٨) قطنى: يكفينى.

<<  <  ج: ص:  >  >>