للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخلق بذى الصبر أن يحظى بحاجته ... ومدمن القرع للأبواب أن يلجا (١)

فاطلب لرجلك قبل الخطو موضعها ... فمن علا زلقا عن غرّة زلجا (٢)

وهيأ ذلك لفتح باب واسع من تحليل الأخلاق المحمودة. وأيضا فإنهم وسعوا معانى الهجاء وما فيه من أخلاق مذمومة، فتناولوها هى الأخرى بالبسط والتفصيل منفضلة عن أشعار الهجاء. وبذلك أتاحوا للمربين والمعلمين مادة طريفة لتأديب الناشئة وحثهم على الأخلاق الفاضلة وصدهم عن الأخلاق المذمومة. وقد وقفوا طويلا عند واجبات الأخوة والصداقة واختيار الإخوان والأصدقاء وسبر أخلاقهم قبل اصطفائهم فهم على طبقات منهم من يشبه الدواء ومنهم من يشبه الداء، ومنهم المتصنع الملق الذى يشبه الثمرة المرّة حسنة المنظر، فإن نزل بك سوء فر منك وازورّ عنك، وفى ذلك بقول حماد عجرد (٣):

كم من أخ لك لست تنكره ... ما دمت من دنياك فى يسر

متصنّع لك فى مودّته ... يلقاك بالترحيب والبشر

يطرى الوفاء وذا الوفاء ويل‍ ... حى الغدر مجتهدا وذا الغدر (٤)

فإذا عدا-والدّهر ذو غير- ... دهر عليك عدا مع الدّهر (٥)

فارفض بإجمال مودّة من ... يقلى المقلّ ويعشق المثرى (٦)

وعليك من حالاه واحدة ... فى العسر إما كنت واليسر

لا تخلطنّهم بغيرهم ... من يخلط العقيان بالصّفر (٧)

وحماد يجعل مقياس الأخوة الصادقة المواصلة فى العسر، ويعرض علينا صورة الإخاء الكاذب الذى لا يعرف الأخ فيه أخاه إلا فى السراء، أما فى الضراء فيزورّ عنه ازورارا. وجعلهم تفكيرهم فى الأخوة ينهون عن صحبة الحمقى لما تجرّ من بلاء كثير،


(١) يلج: يدخل.
(٢) زلقا: مكانا زلقا. غرة غفلة زلج: زلق وزل.
(٣) ابن المعتز ص ٦٨ وأغانى ١٤/ ٣٥٩.
(٤) يطرى: يمدح. يلحى: يذم.
(٥) عدا الأولى من العداء والثانية من العدو أى الجرى.
(٦) بإجمال: بأدب. يقلى: يكره.
(٧) العقيان: الذهب. الصفر: النحاس.

<<  <  ج: ص:  >  >>