من حضر ثلاث خلع، وحملوا عند انصرافهم من الحفل على الخيل المطهمّة، وأعتق المتوكل ألف رقبة، وأمر لكل عتيق بمائة درهم وثلاثة أثواب. وكان فى صحن الدار بين يدى الإيوان أربعمائة جارية بين أيديهن أطباق الفواكه من كل صنف، وخمسة آلاف باقة نرجس، وعشرة آلاف باقة بنفسح. ترف لا يماثله ترف! . ونثر المتوكل على هؤلاء الجوارى وخدم الدار والحاشية عشرين مليون درهم، ونثرت زوجه قبيحة أم المعتز مليون درهم على المزين ومن كانوا فى جانبه من الغلمان وبعض الجنود وقهارمة الدار والخدم الخاصة من البيضان والسودان.
مال ينفق ويبعثر بدون حساب، وكأنما أمسك به سفهاء، لا يعرفون حقوقا لرعية ولا يقدرون مسئولية. وحضر الحفل كثير من الندماء فى مقدمتهم ابن حمدون وابن المنجم، وكثير من الشعراء فى مقدمتهم الحسين بن الضحاك وعلى ابن الجهم، وكثير من المغنين فى مقدمتهم عمرو بن بانة وابن المكى وعثعث وسليمان الطبال وصالح الدفاف وزنام الزامر، وكثير من المغنيات فى مقدمتهن عريب وبدعة جاريتها وشارية وجواريها. ويقال إنه أنفق على هذا الإعذار أو الختان ستة وثمانون مليونا من الدراهم (١). سفه ما بعده سفه!
وعلى هذا النحو كانت ملايين الدنانير والدراهم تنفق بدون حساب وبدون أى رقابة فى حفلات القصر، وهى حفلات أمدّت القصص فى كتاب ألف ليلة وليلة بكل ما يقع فى الخيال الواهم من بذخ وترف لا ضفاف له، وبدلا من أن توجّه هذه الملايين إلى مرافق الشعب وحاجاته أو إلى إعداد الجيوش فى حروب الترك والبيزنطيين كانت تبدّد هذا التبديد الأحمق والشعب يكدح ويشقى ويسيل عرقه مدرارا ويتجرّع غصص البؤس والحرمان ليعبث المتوكل وغير المتوكل بأمواله، فإذا قصور شماء تبنى وينفق فيها الملايين تلو الملايين، وإذا هى تستحيل إلى مقاصف يدور فيها الكاس والطاس وتنشر حمول الذهب والفضة.
ويروى أن المتوكل شرب يوما فى القصر السالف ذكره المسمى بالبركوار، فقال لندمائه، ولم تكن الأيام أيام ورود ورياحين: أرأيتم إن عملنا احتفالا بالورود
(١) الديارات للشابشىّ (الطبعة الثانية) ص ١٥٠ وما بعدها.