للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو كما نطقه بالفارسية: «شاذكلاه»، فقالوا له: لا يكون الشاذ كلاه إلا بالورد، وليست الأيام أيام ورد، فقال: ادعوا لى عبيد الله بن يحيى-وكان أحد وزرائه- فحضر، فقال له: اضرب لى دراهم، فى كل درهم حبّتان من الفضة، فسأله:

كم المقدار يا أمير المؤمنين، فأجابه خمسة ملايين درهم، فأمر عبيد الله بضربها، فضربت. وأنبأ المتوكل بضربها، فقال له: اصبغ طائفة منها بالحمرة وطائفة بالصفرة وطائفة بالسواد، واترك طائفة على حالها. فصنع عبيد الله ما أمره به، ثم تقدم المتوكل إلى خدمه وحواشيه-وكانوا سبعمائة-فأمرهم أن يعدّ كل منهم قباء جديدا وقلنسوة بخلاف لون قباء صاحبه وقلنسوته، ففعلوا. ثم تحيّن يوما فيه ريح، فأمر أن تنصب قبّة لها أربعون بابا، فاصطبح فيها والندماء حوله، وعلى الخدم الكسوة الجديدة، وأمر المتوكل بنثر الدراهم كما ينثر الورد، طائفة طائفة، فنثرت تباعا، وكانت الريح تحملها لخفتها، فتتطاير فى الهواء كما يتطاير الورد (١).

وكل هذا من الفراغ ومن الترف المفرط، فإذا الخلفاء ينعمون بالحياة إلى حد السفه والهوس. وطبقات من ورائهم قتّر عليها فى الرزق، فهى تعيش فى ضنك وضيق شديد. ولعل هذا هو السبب فى أن الشعب لم يهتم أى اهتمام بما كان يجرى فى القصر من تحكّم الأتراك فى الخلفاء، كأنهم لا يعنونهم فى شئ. وكل يوم يسمعون بجديد من هوسهم وسفههم، كأن يسمعوا بأن المتوكل حين انتهى من بناء قصره الجعفرى استدعى أصحاب الملاهى، فقدموا له بعض المساخر والملاعب المضحكة، ومنحهم مليونين من الدراهم (٢). وبحقّ يقول المسعودى إن النفقات لم تبلغ فى وقت من الأوقات ما بلغته فى أيام المتوكل (٣). وكان أكثر أبنائه على غراره من مثل المعتز، وكان يكثر من عقد مجالس الشراب فى قصوره، وهو أول من ركب من الخلفاء بحلية الذهب (٤). ولم يتوقف هذا البذخ والترف طوال العصر، ويصور ذلك من بعض الوجوه استقبال المقتدر لرسل ملك الروم سنة ٣٠٥ للهجرة وقد جاءوا يطلبون عقد هدنة، إذ فرشت قصوره بأجمل الفرش وملئت دار الخلافة


(١) الديارات ص ١٦٠.
(٢) طبرى ٩/ ٢١٢.
(٣) مروج الذهب ٤/ ٣٩.
(٤) مروج الذهب ٤/ ٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>