كثيرا من أفكاره عن الكتابة الأدبية، وقد طالب-كما طالب الجاحظ من قبله-بالملاءمة الدقيقة بين الكلام وطبقات الناس، وبالمشاكلة بين الألفاظ والمعانى حتى توضع الألفاظ فى مواضعها. ونراه لا يرتضى-مستضيئا بابن قتيبة-عبارات فى الدعاء مثل:«أبقاك الله طويلا» فخير منها «أطال الله بقاءك» إذ العبارة الثانية فى رأيه أرجح وزنا وأنبه قدرا. ويطلب إلى الكاتب أن لا يستعمل الدعاء:«جعلت فداك» لأنه ابتذل حتى مجّته الأفواه، كما يطلب إليه أن يعرف لكل كلمة مكانها، ويضرب مثلا لتوضيح رأيه هو أن شخصا كتب إلى داود بن خلف الأصفهانى صاحب مذهب الظاهرية عن شخص آخر هذه العبارة:«وإن قال كذا فقد خرج عن الملة، والحمد لله» فقال له داود متعجبا من وضع الحمد فى عبارته: وتحمد الله على أن تخرج امرءا مسلما من الإسلام، هذا موضع استرجاع وللحمد مكان يليق به، وإنما يقال فى المصيبة: إنا لله وإنا إليه راجعون. ويقول أبو اليسر إنه يوضع مع ذكر الشكوى مثل:«والله المستعان» ومع ذكر البلوى: «نسأل الله صرف السوء» ومع ذكر النعم: «الحمد لله».
ويستضئ بالجاحظ فى النهى عن الايجاز المفرط فى الرسائل والألفاظ المشتركة والمبهمة، ويدعو إلى الاستهلال فى مقدمات الرسائل بحيث يشير الكاتب فى صدرها إلى المراد منها.
ويفيض فى أوصاف القلم واختيار مادته وطريقة بريه، ويتحدث عن القراطيس والكتابة فيها وطيّها ويلفت إلى كتابة التاريخ بالقياس إلى الشهر، فإن كان الماضى أقل من نصف الشهر قيل: لكذا ليلة مضت من شهر كذا وإن كان الباقى أقل من النصف قيل: لكذا ليلة بقيت.
ويعود إلى الحديث عن وضع الألفاظ فى مواطنها بكل دقة وينهى من ليست له موهبة فى الكتابة عن الانتظام فى هذه الصناعة.
وينقل عن الجاحظ إعجابه بالكتاب إذ التمسوا من الالفاظ ما ليس متوعرا وحشيا ولا ساقطا سوقيا، ويبين أهمية الرسائل المحبرة تحبيرا جيدا فى استنزال الجبابرة وأنها قد تصنع ما لا تصنعه الجيوش اللجبة، وينقل عن البيان والتبيين للجاحظ نقولا كثيرة مثل تعريف اليونان والروم والفرس للبلاغة والصحيفة التى دوّنها عن الهنود فى البلاغة، وأيضا ما سجله الجاحظ عن بعض بلغاء العرب والمتكلمين. وتأثير الجاحظ وابن قتيبة واضح فى الرسالة، وللجاحظ النصيب الأوفر. ولعل فى هذا التلخيص المجمل إجمالا شديدا للرسالة العذراء لأبى اليسر الشيبانى ما يوضح كيف أنه عنى عناية واسعة بنقل تقاليد الكتابة فى بغداد إلى إفريقية كما عنى زرياب قبله بنقل تقاليد الغناء البغدادى إلى الأندلس، وبدون ريب يفتتح أبو اليسر الشيبانى فى إفريقية للكتابة الديوانية عصرا جديدا بأكمله.