ويحمل عنهم دواوينهم، ويبدو أنه عمل فى دواوين الدولة العباسية فترة مع سعيد بن حميد وسليمان بن وهب وأمثالهما. وكان فيه ميل إلى الرحلة ولعله عرف ارتحال زرياب إلى الأندلس وما حقق لنفسه من النجاح العظيم لعهد عبد الرحمن الأوسط (٢٠٦ - ٢٣٨ هـ) فرأى أن يؤم بدوره قرطبة، وقدمها فى زمن الأمير محمد بن عبد الرحمن (٢٣٨ - ٢٧٣ هـ) وطوّف فى أنحاء الأندلس، ثم رأى أن يغادرها، ولا نعرف أسباب ذلك، وركب البحر إلى إفريقية، وقصد الأمير الأغلبى إبراهيم الثانى (٢٦١ - ٢٨٩ هـ) فلقيه لقاء حسنا، وعمل بدواوينه ولم يلبث أن اتخذه رئيسا لديوان الرسائل لم وجد عنده من الأدب الرفيع والترسل البليغ والشعر الرائق مع حصافة الفكر ومكارم الأخلاق، ويبدو أنه هو الذى دفع إبراهيم الثانى إلى تأسيس بيت الحكمة فى عاصمته رقادة، حتى إذا تولى زيادة الله الثالث عهد به إليه مع رياسته لديوان الانشاء، ويقول الكاتب الرقيق مؤرخ القيروان المشهور إنه هو الذى أدخل إلى إفريقية رسائل المحدثين وأشعارهم وأخبارهم، واستمرت له منزلته الرفيعة عند الأغالبة حتى إذا انتهت دولتهم سنة ٢٩٦ وخلفتها فى إفريقية الدولة الفاطمية أقرّه عبيد الله المهدى فى عمله مستعينا به فى توطيد حكمه، ولم يلبث أن توفى سنة ٢٩٨ هـ/٩١١ م بعد أن لقن ابنه وعددا من أبناء رقادة والقيروان أصول الكتابة الديوانية، ويذكر من ترجموا له مؤلفات لغوية وأدبية مختلفة، منها:
سراج الهدى فى معانى القرآن وإعرابه ومشكله، ومسند فى الحديث، وكتاب لقط المرجان على شاكلة كتاب عيون الأخبار لابن قتيبة، ويقال إنه كان أكبر منه حجما. وخلّف بجانب ذلك مجموعة من الرسائل النثرية البليغة، واتخذ لبعضها أسماء مثل المرصّعة والمدبّجة والوحيدة والمؤنسة. وهو صاحب الرسالة العذراء التى نسبها محمد كرد على إلى إبراهيم بن المدبر فى كتاب رسائل البلغاء خطأ، وفى كتاب صبح الأعشى نصوص منها منسوبة إلى أبى اليسر مما يؤكد نسبتها إليه كما فى كتاب العصر العباسى الثانى ص ٥٢١ وأشار إلى هذه النسبة الدكتور محمد طه الحاجرى فى كتابه دراسات وصور من تاريخ الحياة الأدبية فى المغرب ص ١٠٧ ووثق نسبتها إلى أبى اليسر الدكتور محمود مكى فى بحث قدمه إلى المجمع اللغوى.
والرسالة طويلة وتعرض بدقة موازين البلاغة وأدوات الكتابة، وهى-فى رأينا-أول رسالة عرضت فى تفصيل صناعة الكتابة الديوانية، ويذكر فى مطلعها أن شخصا طلب إليه أن يعرفه بآداب الكتّاب، ويطلب ممن يريد حذقها طول الاختلاف إلى العلماء ودراسة كتب الحكماء ورسائل المتقدمين والمتأخرين والوقوف على الأشعار والأخبار والسير والأسمار والخطب ومحاورات العرب ومعانى العجم وأمثالهم ورسائلهم وعهودهم، مع التزود بالنحو والصرف واللغة والفقه. ويقول إن من يريد التفوق فى صناعة الكتابة ينبغى أن يحسن اقتباس آى القرآن الكريم ووضعها بدقة فى مواضعها وكذلك الأمثال والأشعار. ونشعر أنه يستمد من الجاحظ