للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخذت الألسنة فى الحى لا تكفّ عن التعريض بالمتحابين، فهجرته، واحتجبت من دونه راغمة، وهو على ذلك لا يسلوها، يقول:

وإنى لأرضى من بثينة بالذى ... لو ابصره الواشى لقرّت بلابله (١)

بلا وبأن لا أستطيع وبالمنى ... وبالأمل المرجوّ قد خاب آمله

وبالنظرة العجلى وبالحول تنقضى ... أواخره لا نلتقى وأوائله

وكانت تلتمس فرصة من أهلها أحيانا فتلقاه، فتشرق الدنيا فى عينه، ويسعد سعادة لا حد لها. وخطبها من أبيها فردّه، لكراهة العرب أن يزوّجوا فتياتهم ممن يتغزلون بهم، هكذا تزعم القصة! . ويزوجها أبوها من فتى فى القبيلة يسمى نبيها، فتسودّ الدنيا فى عين جميل، ويلتاع لوعة شديدة، ويصبح حبها كل حياته، فهو يملك عليه كل شئ، ويأخذ عليه كل طريق، يقول:

ولو تركت عقلى معى ما طلبتها ... ولكن طلابيها لما فات من عقلى

خليلىّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلى

فلا تقتلينى يا بثين فلم أصب ... من الأمر ما فيه يحلّ لكم قتلى

ويقول:

لها فى سواد القلب بالحب ميعة ... هى الموت أو كادت على الموت تشرف (٢)

وما ذكرتك النّفس يا بثن مرّة ... من الدهر إلا كادت النفس تتلف

وإلا اعترتنى زفرة واستكانة ... وجاد لها سجل من الدمع يذرف (٣)

وما استطرفت نفسى حديثا لخلّة ... أسرّ به إلا حديثك أطرف

ويمضى يشكو حبه، ويحاول أن يلقاها، وتنيله فى بعض الأحايين أمنيته فيثور به أهلها ويتوعدونه. ويعنف به حبها، ويشقى به. ويرحل إلى


(١) البلابل: الوساوس. قرت: سكنت.
(٢) يقصد بالميعة حرارة الحب وقوته.
(٣) السجل: الدلو العظيمة مملوءة ماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>