للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير أنها ظلت لا تعرّب فى خراسان حتى سنة ١٢٤ وهى السنة التى أمر فيها نصر ابن سيار بتعريبها هناك.

وعلى هذا النحو استعان العرب منذ أوائل الفتوح فى العراق وخراسان بدهاقنة الفرس فى إدارة شئون الخراج وجبايته. ولم يتوسع عمر فى الاقتباس من نظام الحكم الساسانى، فإنه لم يتعدّ فى اقتباسه ديوان العطاء، أما نظام الحكم الوراثى الذى كان متبعا عند القوم فإنه لم يخطر بباله، إذ أبقى الخلافة على أساس شورى انتخابى تؤخذ فيه البيعة للخليفة، حتى إذا كان عهد معاوية رأيناه يتأثر هذا النظام، فيجعل الخلافة وراثية فى بيته، وتبعه على ذلك مروان بن الحكم وأبناؤه. وتوسع معاوية بجانب ذلك فى التأثر بنظم الدواوين الفارسية، فاتخذ ديوانا للخاتم وديوانا للرسائل محاكيا بذلك الدواوين الساسانية.

وإذا انتقلنا إلى العصر العباسى وجدنا النظم الساسانية تنتقل بحذافيرها فى كل شئون الحكم، وكأنما أصبح الخليفة العباسى ملكا ساسانيّا، فهو يحكم حكما مطلقا وهو حكم ينتقل بالوراثة ويطبعه الدين كما كان يطبع الحكم الساسانى، إذ كان الساسانيون يعدون أنفسهم رؤساء للدين وحماة له وحرّاسا. وكان العباسيون من بيت النبوة، فكانوا يعدون أنفسهم ورثة الخلافة الشرعيين، واتخذوا من علماء الفقه والكلام سندا لهم فيما يزعمون، وهو زعم باطل، لأن الولاية العامة على المسلمين لا تورث، وإلا ورثها العباس عم الرسول بعده، ولم يرثها أبو بكر الصديق، وحتى الأموال والأعيان التى تركها الرسول لا تورث، لما صح فى الحديث النبوى من قوله عليه السلام: «إنا معشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه فهو صدقة».

وإذا كان هذا الإرث ممنوعا فى الأعيان والأموال فمنعه فى ولاية الأمة ألزم وأوجب، إذ ينبغى أن يتولاها الكفء الصالح على نحو ما تولاها أبو بكر وعمر.

ومهما يكن فقد أقام العباسيون خلافتهم على أنهم أحق الناس بإرث الرسول، ومضوا يحيطون أنفسهم بهالة كبيرة من التقديس كان لها أسوأ الأثر فى خنوع الناس وخضوعهم للظلم والفساد، ونعجب أن نرى الفقهاء والأتقياء الذين كانوا يعارضون بنى أمية ويعدونهم دنيويين ظالمين ينصاعون انصياعا أعمى للعباسيين ويعدّونهم رؤساء شرعيين للأمة من الناحيتين الزمنية والروحية.

<<  <  ج: ص:  >  >>