للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أخذ العباسيون يلقون-على شاكلة الساسانيين-فى وعى الناس أنهم أصحاب حق إلهى فى الحكم فهم «سلطان الله فى أرضه (١)». وأحاطوا أنفسهم -على مثالهم-بنظام تشريفات معقد، مختفين عن أعين الناس وراء أستار صفيقة، ومتخذين كثيرين من الحجّاب أو رؤساء التشريفات. وبذلك لم يعد العرب يدخلون على الخلفاء كلما أرادوا كما كان الشأن فى عصر بنى أمية، بل لا بد لهم قبل الدخول عليهم من استئذان هؤلاء الحجاب، وكانت كثرتهم من الأعاجم الذين احتكروا لأنفسهم أكثر شئون الحكم. وكان الخليفة يستقبل من يدخل عليه وكبير حجّابه فى جانب، وفى جانب آخر كبير حراسه المعروف باسم الجلاد (٢) والنّطع دائما أمامه، فمن غضب عليه أطاح برأسه توّا.

وبذلك أصبحنا إزاء حكم استبدادى أشد ما يكون الاستبداد، حكم لا يحسب فيه أى حساب للرعية، فهى أدوات مسخرة للحاكم، وليس لها من الأمر أى شئ، ففى يده كل الأمر وكل السلطان، يولى الولاة والقضاة والوزراء والقواد وأصحاب الشرطة والمحتسبين الذين يراقبون الأسواق، ويعزلهم جميعا، حسب مشيئته وهواه.

وكان يختار الوالى غالبا من أهل بيته أو من أكفاء حاشيته وخاصة الأعاجم، وكذلك كان يختار قواده. ومن البيوت العربية التى لمعت فى العصر بيت المهلبيين وبيت معن بن زائدة الشيبانى.

واتسع الخلفاء فى محاكاة الدواوين الساسانية، وكان فى كل ولاية ديوان للخراج يقوم عليه موظف كبير ينفق منه على الولاية ويرسل ما تبقى من الأموال إلى بغداد حيث كان بها لكل ولاية ديوان خاص، ويسمى مجموع هذه الدواوين باسم ديوان الزمام أو بيت المال، وقد ولّى عليه السفاح خالد بن برمك كما ولاه على ديوان الجند (٣) الذى كان يعنى برواتبهم. وكان لدار الخلافة ديوان خاص يقوم على نفقاتها. ومن أهم الدواوين ديوان الرسائل الذى لعب دورا خطيرا فى نهضة النثر العربى، وكانت تصدر عنه رسائل الخلفاء. وكان بجواره ديوان الخاتم الذى تختم فيه تلك الرسائل بعد مراجعتها، وديوان التوقيع وهو خاص بالنظر


(١) طبرى ٦/ ٣٣١.
(٢) البيان والتبيين (طبع مطبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر) ٢/ ٣٢٩.
(٣) كتاب الوزراء والكتاب للجهشيارى (طبعة الحلبى) ص ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>